شعيب خميس/مشاهد بريس
شهدت منطقة تندوف الجزائرية في الأيام الأخيرة مواجهات دامية بين وحدات الجيش الجزائري وعناصر جبهة البوليساريو، في حدث يُكشف عن تحوُّل جذري في ديناميكية العلاقة بين النظام الجزائري والكيان الانفصالي الذي دعمه لعقود كأداة ضغط إقليمي ضد المغرب. هذه الاشتباكات، التي وصفت بأنها “غير مسبوقة”، تعكس انفلاتاً أمنياً يهدد استقرار الجزائر نفسها، ويفضح تناقضات سياسة “تغذية الفوضى” التي اتبعتها الجزائر لسنوات .
خلفية الاشتباكات: صراع على “غنائم” المساعدات وسيطرة مهترئة
اندلعت المواجهات على خلفية خلافات حول توزيع المساعدات الدولية الموجهة لمخيمات تندوف، والتي تتهم تقارير حقوقية قيادات البوليساريو والجزائر باختلاسها أو استخدامها كأداة للضغط السياسي . فالمخيمات، التي تُدار تحت الرعاية الجزائرية، تعاني من أزمات إنسانية حادة بسبب تقليص برنامج الأغذية العالمي مساعداته بنسبة 30%، وسط اتهامات بـ”النهب المنظم” من قبل الميليشيات والسلطات الجزائرية .
تحولت هذه الخلافات إلى اشتباكات مسلحة بعد أن رفضت حافلة جزائرية التوقف عند حاجز أقامته “الشرطة العسكرية” التابعة للبوليساريو، ما أدى إلى مطاردة انتهت بمواجهة مع قوات الأمن الجزائرية عند نقطة تفتيش، وكشف عن هشاشة سلطة البوليساريو حتى في المناطق التي تدعي السيطرة عليها .
تحوُّل البوليساريو من “أداة ضغط” إلى “قنبلة موقوتة”
وصف زين العابدين الوالي، رئيس المنتدى الأفريقي لحقوق الإنسان، الوضع بأنه “حصاد سياسة تغذية الفوضى”، مشيراً إلى أن الجزائر التي استثمرت في البوليساريو كورقة ضغط ضد المغرب، تجد نفسها اليوم أمام “كيان منفلت” يهدد سيادتها ويخلق بؤرة توتر دائمة في جنوبها . أما الإعلامي الجزائري وليد كبير، فاعتبر أن الاشتباكات كانت “متوقعة”، مؤكداً أن البوليساريو تحولت إلى “قنبلة موقوتة” داخل الجزائر، وأن دعمها أصبح عبئاً يزيد السخط الشعبي .
هذا التحوُّل يعكس فشل الاستراتيجية الجزائرية في السيطرة على الميليشيات، خاصة بعد أن بدأت الأخيرة تتحدى “الخطوط الحمراء” التي رسمتها الجزائر، بل وتتجاوزها إلى صدامات مباشرة مع الجيش .
مأزق النظام الجزائري: بين استمرار الدعم ومواجهة التمرد
يواجه النظام الجزائري معضلة وجودية:
- الخيار الأول: الاستمرار في دعم البوليساريو رغم تصاعد التمرد، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاشتباكات وتآكل الشرعية الداخلية.
- الخيار الثاني: البحث عن حلول جذرية كقطع الدعم أو إعادة هيكلة العلاقة، لكن ذلك قد يكشف فشل سياساته السابقة ويهدد مصداقيته الإقليمية .
الوضع يتفاقم مع تصاعد الاحتقان الشعبي الجزائري تجاه سياسة الدعم، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الداخلية، ما يزيد الضغط على النظام لمراجعة استراتيجيته . رمزية الانهيار: من “شرطة عسكرية” إلى “خارجون عن القانون”
حادثة الحافلة لم تكن مجرد اشتباك عابر، بل رمزاً لانهيار الوهم الذي روّجته الجزائر عن البوليساريو كـ”كيان ذي سيادة”. فالجيش الجزائري تعامل مع عناصر الجبهة كـ”مجموعة خارجة عن القانون”، وليس كقوة شرعية، مما يكشف التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني .
هذا التصرف يطرح تساؤلات حول مصداقية الجزائر في تسويق البوليساريو دولياً، خاصة بعد أن أصبحت المواجهات المباشرة بين الطرفين علنية .
تشير التقارير إلى أن هذه الاشتباكات قد تكون بداية لتصعيد أوسع، مع تزايد المؤشرات على أن البوليساريو لم تعد قادرة على لعب الدور الذي صُممت له، مما قد يؤدي إلى: - تفكك المخيمات: نتيجة تآكل الشرعية الداخلية للبوليساريو وتراجع الدعم الجزائري.
- قد تدفع الأزمة الجزائر إلى تبني مبادرات دبلوماسية، كالدعوة لحكم ذاتي تحت السيادة المغربية، كما تفعل الرباط .
- أي تصعيد عسكري قد يزيد التوتر مع المغرب، خاصة مع نشر الجزائر قوات عسكرية ثقيلة قرب الحدود .
انقلاب السحر على الساحر
المواجهات في تندوف ليست مجرد صراع محلي، بل تعبير عن انهيار استراتيجية جزائرية عمرها عقود. النظام الذي اعتاد استخدام البوليساريو كأداة لـ”ابتزاز المنطقة”، وجد نفسه في مواجهة وحش خلقه بنفسه، مما يضعف موقفه داخلياً وإقليمياً. السؤال الآن: هل ستتجه الجزائر نحو مراجعة جذرية لسياستها، أم ستستمر في إنكار الواقع حتى ينفجر في وجهها؟