مشاهد بريس
بعد عقود من طرحه كفكرة سنة 1979، عاد مشروع النفق البحري الرابط بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق إلى الواجهة، بعدما طُرح للنقاش بشكل رسمي، أمس الخميس، خلال مباحثات جمعت كلا من نزار بركة، وزير التجهيز والماء، ومحمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجيستيك، ووزيرة النقل والبرامج الحضرية الإسبانية راكيل سانشيث خيمينيث.
المباحثات التي تأتي في سياق الدورة الـ12 من الاجتماع رفيع المستوى المغرب-إسبانيا أسفرت عن التزام الأطراف بـ”تحديد موعد في الأيام المقبلة لاجتماع اللجنة المشتركة، من أجل مناقشة الخطوات المقبلة بخصوص مشروع الربط الثابت بين إسبانيا والمغرب عبر مضيق جبل طارق”.
وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسبانية عن الوزيرة الإسبانية قالت: “سوف نعطي دفعة للدراسات الخاصة بمشروع الربط الثابت لمضيق جبل طارق الذي بدأه كلا البلدين منذ أربعين عامًا”، واصفة المشروع بـ”الإستراتيجي لإسبانيا والمغرب وأيضًا لأوروبا وإفريقيا”.
ويتبين من خلال هذه المستجدّات أن المشروع “لم يتم دفنه”، رغم أنه لم يكن متوقعاً أن يكون مطروحاً على طاولة القمة الثنائية ليوم أمس، إذ لم ترد أي إشارة إلى الموضوع في أي تصريح لمسؤول مغربي أو إسباني منذ السابع من أبريل الماضي، حين دشّنت الرّباط ومدريد مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية.
لكن تنشيط المشروع كان مطروحاً بالفعل للتداول في الموعد الأول لهذه الدّورة من الاجتماع رفيع المستوى سنة 2021، قبل أن تعصف به جائحة كورونا والأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
نبيل دريوش، خبير في العلاقات المغربية الإسبانية، قال إن “مشروع الربط القاري –المستوحى ربما من نفق المانش بين فرنسا وبريطانيا- يعد من الأحلام الكبرى لما بعد التقارب الذي حصل بين المغرب وإسبانيا، عقب فترة الانتقال الديمقراطي باسبانيا وتجاوز أزمة قضية الصحراء المغربية منتصف السبعينيات”.
وأضاف دريوش، ضمن تصريح لهسبريس، أن المغرب وإسبانيا “عازمان على تحقيق هذا الحلم الذي سيربط بين قارتين، رغم التعثرات الكثيرة التي عرفها في السنوات الماضية متأثراً بالأزمات الدبلوماسية التي كانت تدفع ملفات أخرى إلى الواجهة، إلى جانب اقتناع البلدين بضخامة احتياجات المشروع، لاسيما على مستوى التمويلات التي لم تكن فترات الأزمة الاقتصادية تسمح بها، كأزمة 2008 العنيفة بالاتحاد الأوروبي وأساسا إسبانيا، ثم الصعوبات التقنية، كتجاوز مشكل التيارات البحرية التي يتميّز بها مضيق جبل طارق”.
ويرى الخبير ذاته أن إدراج هذا المشروع –الذي ستكون له عائدات اقتصادية كبيرة- ضمن الاتفاقيات الموقعة أمس “يدل على أن البلدين يعيشان مرحلة تتميز بالعزم على بناء علاقات متينة وتجسيد فعلي وعملي لتحولهما إلى قنطرة نحو إفريقيا وأوروبا، حسب ما جاء كذلك في تصريحات مسؤولي البلدين خلال القمة المشتركة بالرباط”.
“كما أن عدم التخلّي عن هذا المشروع على مدى العقود الماضية بسبب الصعوبات المذكورة يعد في حد ذاته إنجازا يحسب لمملكتي مضيق جبل طارق”، يقول دريوش، مشيراً إلى أنه (المشروع) “يعود دائما إلى الواجهة في فترات التفاهم بين البلدين، مثل فترة الاشتراكي لويس رودريغيث ثاباتيرو 2004-2011”.
يُشار إلى أن فكرة إنجاز النفق القاري البحري بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق طُرحت لأول مرة إبان لقاء خوان كارلوس الأول بالملك الحسن الثاني في 16 يونيو 1979، ليتم بعد ذلك تكليف شركتين عموميتين، إحداهما مغربية والأخرى إسبانية، بدراسة جدوى المشروع وتطوير فكرته، وتم بالفعل في 8 نونبر من العام نفسه توقيع اتفاقية “التعاون العلمي والتقني” التي تشكل الأساس القانوني للتعاون بين البلدين لدراسة جدوى المشروع.