شعيب خميس/ مشاهد بريس
في أعقاب شهر رمضان المبارك، شهدت عدة مدن مغربية موجة غير مسبوقة من الجرائم المسلحة، خاصة سرقات تحت التهديد بالأسلحة البيضاء، ما أدى إلى حالة من الهلع بين المواطنين وفقدان الثقة في الأمن العام. مدن مثل المحمدية والرباط وسلا والدار البيضاء وتمارة وطنجة والقنيطرة وغيرها، تحولت إلى ساحات لعمليات إجرامية عنيفة، تزامنت مع تناقل صور صادمة لضحايا عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما أثار غضبًا واسعًا ومطالبات عاجلة بتحرك حازم.
حيث سجلت الأيام التالية لشهر رمضان ارتفاعًا قياسيًا في جرائم “الكريساج” (السرقة تحت التهديد)، حيث استخدم الجناة أسلحة بيضاء مثل السيوف والسواطير والمُديات لترويع الضحايا، ما نتج عنه إصابات خطيرة في بعض الحالات. وتشير تقارير إلى أن هذه الموجة الإجرامية لم تستثنِ أحياءً معينة، بل طالت مناطق حيوية وهادئة اعتُبرت في السابق آمنة.
من جهتها، استنفرت مصالح الأمن العمومي فرقًا متخصصة، منها الوحدات المتنقلة وفرق البحث والتدخل، لتمشيط “النقاط الساخنة” وتوقيف عشرات المشتبه بهم. وأكد مصدر أمني مسؤول أن الوضع بدأ يعود إلى طبيعته تدريجيًا، مشيرًا إلى أن “التدخلات السريعة واستباقية الجهات الأمنية ساهمت في احتواء جزء من الأزمة”.
المجتمع المدني يرفع الصوت: إصلاح العقوبات واستراتيجيات شاملة
تصاعدت انتقادات الفعاليات الحقوقية والجمعيات المحلية تجاه المنظومة العقابية الحالية، التي تُوصف بأنها “متساهلة” مع المجرمين. وطالبت هذه الجهات بإعادة النظر في العقوبات الجنائية، خاصة مع تكرار إطلاق سراح المتورطين في جرائم عنيفة بعد فترات اعتقال قصيرة، بحجة اكتظاظ السجون. وأكدت مصادر حقوقية أن “هذه السياسة تساهم في إعادة تدوير الجريمة وتعزيز العنف بدل القضاء عليه”.
كما دعا المجتمع المدني إلى وضع استراتيجية أمنية متكاملة تشمل:
- تعزيز الوجود الأمني في الأحياء الأكثر تضررًا.
- تعديل القوانين لفرض عقوبات رادعة ضد جرائم السرقة المسلحة.
- حملات توعوية لتعزيز ثقافة الابلاغ عن الجريمة والتعاون مع الأمن.
- معالجة الأسباب الاجتماعية للجريمة، مثل البطالة وتفكك الأسرة.
وسائل التواصل الاجتماعي: ضغط رقمي لتحريك المياه الراكدة
لم تكن منصات التواصل الاجتماعي مجرد ناقل للأخبار، بل تحولت إلى منبر ضاغط لتسليط الضوء على معاناة الضحايا وتقصير الجهات المعنية. صور الجروح الخطيرة وحكايات الناجين من العمليات الإجرامية أثارت موجة تعاطف واسعة، مع هاشتاغات مثل #خلصواالأحياءمنالعنف و #عقوباتصارمة_الآن.
التحديات المستقبلية: بين الإجراءات الأمنية والإصلاح الهيكلي
رغم الإجراءات الأمنية المكثفة، يبقى السؤال الأكبر: هل تكفي الحملات الوقائية لاستئصال الجريمة؟ الخبراء يرون أن المعضلة تتطلب حلولًا متعددة الأوجه:
- تقوية العدالة الاجتماعية عبر دعم الفئات الهشة.
- تحديث البنية التحتية للأحياء المهمشة.
يجب تعزيز التكامل بين الأمن والدرك والقضاء لضمان محاكمة عادلة وسريعة.
إن الأزمة الحالية كشفت هشاشة المنظومة الأمنية في مواجهة الجريمة المنظمة، لكنها أيضًا فتحت الباب لحوار وطني جاد حول ضرورة الموازنة بين “الردع الأمني” و”العدالة الإصلاحية”. فالعقوبات الصارمة وحدها لن تحل المشكل، لكنها قد تكون بداية الطريق لاستعادة السكينة إلى شوارع المدن المغربية.