عيسى هبولة/مشاهد بريس
أمام تقهقر دور القاعات السينمائية في عرض الأفلام أمام الجمهور ، أصبح المهرجان يدير هاته العملية برغبة أكيدة من مختلف فئات المنتمين إلى الحقل السينمائي هواة و محترفين /مبتدئين وروادا ، و هو ما أهل المهرجان إلى تبوئته مكانة لدى الجهات المعنية /السينمائية – المركز السينمائي ، الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ، مختلف الهيئات في الانتاج و الإخراج و الكتابة و النقد – بل أصبح المهرجان يستفيد من دعم مالي من أجل تغطية فعالياته الفنية السينمائية .
كان المهرجان بادئ الأمر مناسبة احتفالية سينمائية تهتم بالتكريم و تنظيم مسابقة للراغبين في المشاركة بأفلامهم المتنوعة على غرار مهرجانات خارجية سباقة للموضوع ، معتمدة على دعم شخصي و مستشهرين مختلفين ، و مع تقهقر دور القاعة السينمائية تطور المهرجان و أصبح مناسبة منتظرة لعرض الأفلام الجديدة و اعتماده في الحصول على الجوائز التي تزيد من قيمة الفيلم الفنية او تنقص منه ، و هو فضاء للقاء النقاد و الكتاب و المخرجين و كافة الممارسين من أجل المناقشة و تباذل الأفكار و الآراء ، كما هو لقاء من أجل المشاهدة و قراءة و تحليل الأفلام .
كل هاته الأمور جعلت المهرجان يكبر دوره داخل الحقل السينمائي و يشد انتباه المكاتب الإدارية المسؤولة السالف ذكرها ، ليصبح مستفيدا من دعم مالي مهم .
حافظ المهرجان على أرضية اشتغاله تحت لواء جمعية او ناد فني ، لكن بنوع من الاحتيال عند بعض رؤسائهما و هذا من السلبيات التي حزت في نفسيتنا ، و التي من شأنها تعثر الدور الفعال الفني للمهرجان، إذ عمل البعض على استغلال مكتب مسير بأسماء بعيدة عن الفن من جهة و أخرى فقط أسماء لا دخل لها في الحضور و التسيير و الترتيب ، هي فقط من أجل ملء خانات المكتب او اللجنة المنظمة .
و هكذا يتفرد الشخص الفرد بالتسيير و إعداد البرامج و الاستفادة من الموارد بحرية تامة .
لقد تعددت المهرجانات السينمائية و نمت بشكل مثير بكل المدن الصغيرة و الكبيرة ، و هذا إيجابي في حد ذاته ، إذ يعطي فرصا للعرض و المشاهدة ، كما يخلق فضاءا للتكوين و تأطير الهواة و المبتدئين ، و يحمل كل الإيجابيات السالفة ، غير أنها تتقلص مع بعض المهرجانات التي فقدت صيتها الوطني بل و حتى المحلي و الذي لم يصل رغم تقدم عمر المهرجان و قد يفوق الرقم العشرين ، و نحن الذين نشجع المهرجان في دورته الأولى و نحاول أن نصل به و معه الى مكانته الدولية لمجانبة تلك المهرجانات الداعية الصيت و التي ينتظرها الجميع .
هاته المهرجانات السلبية فاشلة يجب القطع معها ، لأن أصحابها أو بالأحرى صاحبها لا يهدف إلى بناء الثقافة السينمائية و المساهمة في بناء لبنات الصرح الفني الوطني بقدر ما يهدف إلى بناء أعمدة مادية لدعم مخزون صندوقه الشخصي /الأسري ، و هذا ما يفسد علاقاته مع باقي المشاركين و ما يفسد و يقهقر قيمة المهرجان ولو كان ذا مرجعية تاريخية /زمنية متقدمة .
المهرجان في حقيقة تعريفه هو مؤسسة جماعية لا يمكن التفرد في قيادتها ، وهو في حاجة دائمة إلى مشاركين و متدخلين من أجل العمل إما داخل لجن تنظيمية مؤهلة أو إدارة فنية محترفة او تنشيط و تأطير ورشات تكوينية او لجن تحكيم من داخل الحقل، غير أن الشخص المتحكم /السلبي يستطيع أن يحصل على مبررات كل هاته الأمور وفق ملفات واهمة/واهية .
و أمام هذا السلوك المشين ندعو الى الوقوف بصرامة أمام القطع الباتر لهاته المهرجانات التي لا تمت للفن بصلة .
و من الكم كذلك مهرجانات ينظمها مجموعة من الأشخاص الأصدقاء/ الزملاء داخل مجال عمل معين خاصة التعليم ، في غالب الأحيان هم متقاعدون يمارسون السينما عبثا من أجل تحقيق متع شخصية لها علاقة مباشرة بملء الوقت الفارغ لدى المتقاعد ، و هم يجتمعون بناءا على تقديم ملف سينمائي بفعاليات سينمائية لجهات داعمة ، لكن في الحقيقة هم يجتمعون للاحتفال باللقاء و مناقشة مواضيع ليست سينمائية ، بغض النظر عن عرض أفلام في إطار مسابقة أو مشاهدة مفتوحة لايحضرونها هم شخصيا فبالأحرى الجمهور ، و كان الأجدر بهؤلاء ان يشتغلوا داخل إطار إدارة عملهم و ألا يثقلوا كاهل صندوق دعم المهرجانات السينمائية الحقيقية .
و إلى جانب هذا و ذاك نسجل من المهرجانات كذلك من يعمل على مبدإ طلب المشاركة التطوعية معللين بضعف الدعم وعدمه ، و هنا لابد من التطوع إلى حين بناء المهرجان الحديث أعمدته المادية الواجبة ، لكن يمكن الإشارة إلى توفر الدعم متأخرا مما لا يترك مجالا للتطوع أحيانا .
هكذا يتعدد كم المهرجانات السينمائية بين خانات لأشخاص متحكمين يعتمدون على مكاتب تسيير صورية و لجن تنظيمية غير مؤهلة و برامج ضعيفة تنتابها مشاكل عديدة ، و خانات لآخرين يجتمعون على لقاء الأصدقاء و أخرى لأشخاص يعتمدون على حجج ضعف الدعم أو تأخره .
و بالمقابل لابد من الإشادة بخانات أخرى من المهرجانات التي تصب إيجابا في الحقل السينمائي و التي يحاول منظموها دائما العمل من أجل تطور المجال بشريا و فنيا و تقنيا ، و هي التي يمكن اعتبارها نافذة للسينما المغربية على الخارج او تلك التي يمكن اعتبارها في نفس الآن مدرسة تكوينية لصقل همم و تجارب الموهوبين السينمائيين من الهواة و الشباب و فضاءا للقاء و بناء العلاقات الفنية بين مختلف المتدخلين من الداخل و الخارج وفق ملف تحملات يناسب الفعاليات و يغطي كل الحاجيات .
إننا بصدد بناء صرح سينمائي وطني مغربي متميز يحمل نفس شارات السينما المتطورة العالمية ، و علينا من أجل ذلك ان نقطع دابر كل متدخل دخيل يسيء إلى هذا الحقل الفني بشكل أو بٱخر ، ولا يسعنا حينها إلا أن نشير بالبنان الواضح للعيان إلى كل متهور ، و أن نفتح كل الملفات على سقف الطاولة لنناقش أولا و لنتبين الحقائق الخفية وراء شخوص لا يحترمون الفن ولا يقدرون باقي الاشخاص الغيورين . و ذلك تحقيقا المفهوم السليم ل”السينما وجه الشعوب” .