شعيب خميس/ مشاهد بريس
في ليلةٍ تحوّلت فيها شوارع مدينة القنيطرة إلى ساحة مواجهة بين الشجاعة والتهديد، كتب رجل الأمن الشاب زكرياء، من فرقة محاربة العصابات التابعة لولاية أمن القنيطرة، فصلًا جديدًا من فصول التفاني الأمني بتضحيته النادرة. فبينما كان المواطنون يغطون في نومهم، وقف زكرياء وزملاؤه حائط صدٍّ أمام خطرٍ مُحدق، ليُقدِّم درسًا في الإيثار والواجب الوطني.
مواجهة عنيفة وسكينة تهدد الأرواح
حين تحركت دورية أمنية إلى منطقة الحدادة بالقرب من إعدادية مولاي إسماعيل، بناءً على معلومات عن وجود مشتبه به (41 سنة) متورط في قضايا تخريب منشآت عامة. لكن ما بدأ كتدخل روتيني تحوّل إلى مواجهة صاعقة، حين قاوم المشتبه فيه عناصر الشرطة بعنف، ممسكًا بسكينٍ طوّق به المنطقة، مهددًا كل من يقترب منه.
في ذروة التصعيد، وبينما حاول زكرياء تطويق الخطر، تعرّض لطعنةٍ قاسية على مستوى الوجه، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة. لم يتردد زميله في استخدام سلاحه الوظيفي لإنقاذ الموقف، لينتقل المشتبه به المصاب إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، بينما دخل زكرياء وثمانية من زملائه ساحة التضحية تحت المراقبة الطبية.
التفاني الأمني: درعٌ واقٍ رغم الجراح
فالحادثة لم تكن مجرد اشتباك عابر، بل حلقة من حلقات التحدي اليومي الذي يواجهه رجال الأمن المغاربة في حماية المجتمع. زكرياء، الشاب الذي اختار أن يكون في الصفوف الأمامية، لم يُفكّر في وجهه أو سلامته الجسدية عندما رأى خطرًا يهدد المواطنين. لقد حوّل جسده إلى درعٍ بشري، مؤكدًا أن أمن الناس فوق كل اعتبار.
كما أن تضامن الزملاء في الفرقة، واستخدام السلاح الوظيفي كحل أخير، يُظهر دقة التكوين المهني والالتزام بالبروتوكولات الأمنية الصارمة التي تحكم عملهم، حتى في الظروف الاستثنائية.
رسالة المجتمع: “شكرًا لمن ينامون على جراحنا ليرقد العالم بأمان”
ردود الفعل على الحادث لم تكن مجرد تعاطف مع الجرحى، بل تحولت إلى حملة تقدير واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حملت وسم #زكرياءبطلالقنيطرة، حيث غُصّت التعليقات برسائل الدعم والوفاء للعناصر الأمنية.
كما أشادت ولاية أمن القنيطرة في بيانٍ رسمي بالعملية، مؤكدة أن “التضحيات الجسدية لرجال الأمن هي ثمن السلامة الجماعية”، ودعت إلى تكثيف التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية لمواجهة العنف.
ان التضحية عنوان الأمن الحقيقي
لأن قصة زكرياء ليست مجرد خبرٍ عابر، بل رمزٌ لآلاف الرجال والنساء الذين يختفون خلف الزيّ الرسمي ليُضحّوا بأغلى ما لديهم في سبيل الوطن. إنهم يُذكروننا كل يوم بأن الأمن ليس مكتسبًا، بل هو نتاج سهرٍ وتعبٍ ودماءٍ تُراق في الصمت.
فلتكن هذه الواقعة ناقوسًا يُعيد الوعي بقيمة رجال الأمن، وفرصةً لنتعلم أن التضحية ليست شعارات، بل أفعالٌ تُكتب بوجهٍ مشوّه، أو جرحٍ غائر، أو روحٍ تُرفع إلى السماء.
تحية إجلالٍ لكل من يختار أن يكون “الدرع الأخير” بين الخطر والوطن.