شعيب خميس/ مشاهد بريس
في مساء يوم السبت الجاري هزّ حي ميمونة بمدينة سطات حادثًا مأساويًا بعد أن أقدم شاب في عقد الأربعينيات على محاولة إنهاء حياته بشرب سم الفئران، وفقًا لمصادر محلية قريبة من الحادث. وتدخلت عائلة الشاب والقريبون منه لنقله على وجه السرعة إلى مستشفى الحسن الثاني الإقليمي لتلقي الإسعافات الأولية، حيث لا يزال يتلقى العناية الطبية اللازمة وسط حالة من الغموض حول الدوافع التي دفعته إلى هذه الخطوة اليائسة.
رغم محاولات استيضاح خلفيات الحادث، تظل الأسباب مجهولة حتى الآن، إذ لم تُسفر التحقيقات الأولية عن معلومات تُفسر دوافع الشاب، الذي يُوصف من قبل جيرانه بأنه “هادئ الطبع” ولا يُعرف عنه تاريخ مع اضطرابات نفسية علنية. وتزامن الحادث مع تصاعد الحديث داخل الأوساط المحلية عن ضغوطات اجتماعية واقتصادية قد تكون أحد العوامل الخفية، خاصة في ظل تفاقم تحديات الفقر والبطالة بمناطق عديدة من المغرب، بما فيها مدينة سطات.
لا يعد هذا الحادث معزولًا في سياقه، فوفقًا لأحدث تقارير وزارة الصحة المغربية (2023)، تُسجل البلاد ما يقارب 2000 حالة انتحار سنويًا، مع ارتفاع ملحوظ في المحاولات بين الفئة العمرية 25-44 عامًا. وتشير البيانات إلى أن 70% من الحالات مرتبطة بالاكتئاب الحاد أو اضطرابات القلق، بينما تظل نسبة كبيرة غير مُشخَّصة بسبب الوصمة المجتمعية المرتبطة بالمرض النفسي.
إن غياب الوعي بأعراض الأمراض النفسية وندرة المراكز المتخصصة في المناطق النائية يجعلان الأفراد يلجؤون إلى الصمت أو التطرف في ردود الأفعال، ويجب تعزيز برامج الدعم النفسي المجتمعي وتفعيل الخطوط الهاتفية المجانية للإرشاد.
وقد أثار الحادث موجة من التعاطف عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر سكان الحي عن صدمتهم، مؤكدين أن الضحية “لم يكن يُظهر أي علامات تدعو للقلق”. وفي المقابل، انتقد نشطاء حقوقيون تقصير المؤسسات في توفير آليات الوقاية، مثل مراكز الاستماع المجهولة الهوية أو حملات التوعية في المدارس والأحياء الشعبية.
من جانبها، ذكرت جمعية “السطاتية للتنمية الاجتماعية والعمل التطوعي” أن “80% من الحالات تُعطي إشارات مسبقة يمكن ملاحظتها”، مشددة على أهمية تدريب الأسر والمدارس على كشف العلامات التحذيرية، مثل العزلة المفاجئة أو التبرع بالممتلكات.
كما أفاد مصدر طبي من مستشفى الحسن الثاني أن حالة الشاب مستقرة نسبيًا بعد تدخل طارئ لتنقية جسمه من السموم، لكنه يحتاج إلى متابعة نفسية مكثفة لتجنب انتكاسة محتملة. ويُذكر أن المستشفى، رغم محدودية إمكانياته، يعد من المراكز القليلة في المنطقة التي توفر استشارات نفسية مجانية بالتعاون مع منظمات محلية.
بينما ينتظر الجميع كشف الغموض وراء هذه المحاولة المأساوية، يبقى الحادث جرس إنذار جديدًا لواقع الصحة النفسية الهش في المغرب. فهل تكون هذه الحالات دافعًا لاعتماد استراتيجية وطنية شاملة، تجمع بين التوعية وتوفير البنى التحتية اللازمة؟ وكيف يمكن كسر حاجز الصمت المجتمعي الذي يحيط بالأمراض النفسية؟