انجاز : الأستاذ لحسن اوبحمان
تعتبر المجموعة الغنائية السوسية ازنزارن اكَوت عبد الهادي ( ذكر اسم عبد الهادي لتمييز المجموعة عن تؤامتها مجموعة الشامخ ) ابرز مجموعة غنائية امازيغية على الصعيد الوطني . وقد حصلت المجموعة على هذه المكانة بفضل عدة مؤثرات ساهمت في صنع مجدها على المستويين الإقليمي و الوطني ان لم أقل العالمي اذكر بعضا منها :
1- ظرفية النشئة : فالمجموعة الغنائية ظهرت لتقدم إضافة نوعية لما عرفته الساحة الغنائية في سوس المتمثلة في إيجاد بديل لشباب المنطقة بالدرجة الأولى عن فن الروايس او اجماك و الفنون الأخرى السائدة في تلك الحقبة التي لا تستهوي الفئة العمرية المذكورة.
فالمجموعة هي امتداد للفنون السوسية التي اتخذ ت المجموعة نمطا للغناء
فالفن السوسي لم يعرف قط النمط الفردي بقدر ما اتسم بشكل المجموعات ابتداء من مجموعات الروايس المتمسكة بالثراث السوسي المحلي و ما صاحب ذلك من شعر الجمال و الغزل و كذا مقاومة الاستعمار بالكلمة الرنانة و الالة الفريدة ” الرباب “و “لوطار” .
كما عرفت الساحة السوسية نمطا اخر بداية ستينيات القرن الماضي ، نوع عصري هذه المرة متأثر بالموسيقى العربية المشرقية و الذي اتخذ في بعض الاحايين صبغة رسمية إشارة الى مشاركاته في الحفلات الرسمية التي تقام في عمالات المنطقة و افراح الطبقة الميسورة و ذوي النفوذ ، و قد حمل مشعل المجموعة الموسيقية فرقة عريقة سوسية محضة تسمى بجوق النهضة السوسية ( للإشارة فبعض أعضائها ما زالوا على قيد الحياة و اغلبهم قضوا نحبهم رحمهم الله )
الصنف الثالث من المجموعات السوسية اختار طابع الفرجة بالمزاوجة بين المسرح الفرجوي و الغناء، فأول من تميز بهذا الصنف الفرقة الغنائية ايت المزار ( نسبة الى منطقة المزار جنوب اكادير) ،فهذه المجموعة تمزج اللوحات الغنائية بتجسيدها و تمثيلها في قالب فكاهي مصحوب بملابس تلائم المقاطع المغناة .
وفي خضم هذه الحركية الفنية و الدينامية الفرجوية التي اهتم بها كثيرا كبار السن و تمكن من استقطاب النساء خاصة او الطبقة الميسورة، جاءت مجموعة ازنزارن الأولى ( الموحدة) كاعلان ثورة على الانماط الموجودة و تلبية لحاجات الشباب المتعطش الى شيء مختلف سواء في اللغة المستعملة او الآلات او اللباس و هو ما اسفرت عن ظهور نمط تازنزارت ( نسبة الى اسم ازنزارن )
و بهذا نفند ما يتداوله الاعلام من تأثر الفن السوسي بما عرفه وسط المملكة من ظهور للمجموعات الغنائية التي حظيت باهتمام كبير فنيا و إعلاميا . فالفن في سوس لم يكن ابدا فن فرديا او احاديا بل اتخذ دائما صفة المجموعة .
2- الاسم و النمط : تميزت المجموعة بالاسم القوي الدلالة سواء على المستويين السمعي و الرمزي الشيء الذي اعطى للمجموعة الأثر القوي في نفوس الشباب .فدلالة ازنزارن على الاشعة تدل على الدفء المفقود عند شباب تلك الفترة خاصة على المستوى الوجداني و العاطفي علما ان المجتمعات السوسية محافظة لا تتكلم الا بالرمز و الستر مراعاة لآذان المتلقي و احتراما للتقاليد السائدة .
اما الاختلاف في نمط العزف و مقاماته و آلاته إضافة الى اللغة المستعملة سلبوا الباب الجميع شباب و شيب ذكورا و اناثا، فللتاريخ لما غنت ازنزارن رائعة امي حنا جل من حضر سارت عينات بالدموع تاثرا بالقصيدة و أدائها ، حتى شعر بعض الروايس بان البساط قد سلب من تحت اقدامهم و لولا الشهادة التي أعطاها عميد الروايس الجدد الحاج محمد البنسير في سهرة بالدشيرة الجهادية أشاد فيها بالمجهود الكبير التي تبدله المجموعات السوسية في الرفع من قيمة الفن لدامت تلك المنافسة الى الان .
3- الكلمات : تشكل دقة الكلمات و دلالاتها و رمزيتها من بين اهم نقط قوة مجموعة ازنزارن و اذا أضيفت اليها الالحان الشجية و جمالية الأداء فلا يسعنا الا ان نبقى منبهرين فاغرين افواهنا و معجبين حتى الثمالة بجمالية و روعة ما انتجته المجموعة و لم يبالغ أولئك الذين اصبغوا عليها صفة الأسطورية .
فكلمات المجموعة نابعة من صدق الإحساس سواء في وصفها لمشاعر الحب و الغزل العفيف الذي بدأت به المجموعة مسارها الفني مثال : “وا تاسا اتوتن س تازيت اور اقاي افوس ” – ” وا يان اوجداع ارزمد اوشاكوك ار اكال ، وا افلانغ ار اتازال العاقل يويت “…. الخ.
واتخدت المجموعة بعد دلك التعبير عن الأحاسيس الصادقة التي تعبر عن الالام المستضعفين و الشكوى من جور الزمان و اهله مثال ” اح اغت نانا ربي كايسن مان افال …..” الخ
فالكلمة عند ازنزارن تأسر الفؤاد و تسير بالأدهان الى منتهى الخيال و تفعل بالوجدان ما يفعل الحبيب بالمحب الولهان و لا غرابة ان وصفها احد الصحفيين الفرنسيين بالكلمات كالرصاص.
اذن لابد لنا ان نتساءل عن مصدر الاشعار و الكلمات ؟
ولابد لنا ان نوفي أصحاب هذه الكلمات حقوقهم المعنوية في التعريف بهم و نسب الكلمات الى أصحابها و ازالت الالتباس في بعض الأشياء .
القصيدة المغناة عند ازنزارن
تتميز القصيدة المغناة عند ازنزارن ( عبد الهادي و رفاقه) بتعدد مصادرها فاغلب القصائد المغناة تكون كلماتها لعدة شعراء تتقارب ابياتهم في المعنى و الموضوع و حتى في الميزان التي يلائمها و نذكر على سبيل المثال قصيدة تيلاس الصادرة في شريط سنة 1984 فكلماتها من نظم اربع فحول الشعر الامازيغي و من مختلف مناطق المغرب ، فالبيتين الاولين يرجع نظمهما الى شاعر ينتمي الى اقا جنوب المغرب مسمى قيد حياته امبارك بن زيدة استمدها منه الشاعر الكبير مولاي علي شهاد من مجموعة ارشاش، كما عرفت القصيدة كلمات من نظم الشاعر العصامي محمد الحنفي ، ثم ابيات من نظم الشاعر الفحل عبد الرحمان عكواد ثم ابيات نسجها مولاي إبراهيم الطالبي .
فاغلب القصائد المغناة تسير على هذا النهج تتأرجح بين شاعرين الى اربع و قليل من القصائد المغناة تنسب الى شاعر واحد سنتطرق اليها في حينها عند سرد اهم الشعراء الذين بصموا تاريخ كلمات ازنزارن .
يرجع إشكالية عزو الابيات الشعرية المغناة عند ازنزارن الى أصحابها كون العمل تشاركي تعاوني، فالشعراء الذين يزودون المجموعة بالكلمات يحسبون انفسهم ضمن المجموعة و من افرادها لذا مسالة التعريف بأصحاب الكلمات بمعزل عن المجموعة لم تكن مثارة في وقتها و لم تكن محط سؤال لان كل عنصر يساهم من اجل الحصول على افضل منتوج لذا فكلما توصل عبد الهادي بالكلمات يحاول جاهدا ان يجد لها المواويل المناسبة و التقاسيم الملائمة و الالحان التي تسمو بالقطعة لتطربه أولا قبل ان تصل الى اذان الجمهور المتعطش . فالعمل اذن عمل مشترك تكاملي .ان ذكر مساهمة كل طرف يعتبر بمثابة التحسيس بعدم الانتماء للمجموعة و تحليق خارج سربها و هو الخطأ الذي ار تكبته المجموعة في السنوات الأخيرة . و رغم ذلك لابد من ذكر مساهما ت كل فرد و الحاق بعض القطع الى أصحابها لاعطاء كل ذي حق حقه .
وساحاول قدر المستطاع سرد اهم الشخصيات التي ساهمت في نظم و نسج و تصفيف كلمات اعاني مجموعة ازنزان اكَوت عبد الهادي و رفاقه :
أ – مولاي إبراهيم الطالبي
يعتبر مولاي إبراهيم الطالبي من الاعمدة الأساسية التي بنت مجد مجموعة ازنزارن خصوصا حضوره في جميع المحطات من التأسيس بداية سبعينيات القرن الماضي اعتبارا للصداقة القديمة التي جمعته بعبد الهادي حتى كادت ان تصل الى الاخوة الى يومنا هذا – مع متمنياتنا برجوع المياه الى مجاريها-
وقد نقش ابن منطقة بوزوك ( منطقة توجد قرب التمسية) اسمه في سماء ازنزارن باحرف بارزة مزينة بالذهب ومرصعة باكاليل افضل الازهار و اطيبها نظرا لما اسداه من خدمات جليلة ساهمت في بناء هذا الصرح الفني المتين,
فبالاضافة الى قوت صوته الذي يحقق توازنا و تجاوبا مع الصوت الشجي لعبد الهادي و هذا لا يخفى على احد فان مولاي إبراهيم يصنف ضمن اهم مصدر لكلمات المجموعة ، فان لم يكن صاحبها فهو المسؤول عن تنسيق الابيات الشعرية و جمعها و تصفيفها كي تحقق وحدة الموضوع و تنسيقا من الناحية النغمة الموسيقية و تلائمها مع النبرات الصوتية، و قد تطرق زميله مصطفى الشاطر الى هذا في اكثر من مناسبة ، فاذا كان الشاطر مسؤول عن البحث عن القطع الشعرية لدى بعض أصدقائه من كتاب الكلمات الهواة مثل شاعر سيدي بوسحاب – بن سعيد -او اخر من امينتانوت فان مولاي إبراهيم بحسه الفني و بتمكنه من اللسان الامازيغي و المصطلحات القديمة يستطيع إيجاد توليفة و انسجام بين مختلف القصائد التي يتوصل بها او التي في حوزة المجموعة. ( ومازال في جعبة المجموعة الكثير من الاعمال لم تتوفر الظروف الملائمة لظهورها )
هذا من جهة اما من جهة ثانية فان مولاي إبراهيم يتصف بصفة أخرى و هي نظم الابيات و القصائد و قد مد المجموعة بقصائد تامة من ابداعه كما ساهم في ترميم بعض قصائد الشعراء الاخرين بأبياته و سنعرض امثلة لذلك على سبيل الحصر :
ففي شريط 1981 و في قصيدة رائعة بعنوان توزالت ( الشفرة او السكين) فقد ساهم شاعرنا ب 16 بيتا الأخيرة من : لمسكين اوجو يوفا الراحت الى اخر القصيدة (كو يان ايلي د الخاطر)
اما في قصيدة ايزيليض فقد ساهم مولاي إبراهيم بالأبيات الستة الأولى من : ” اكوت اومدلوا الى اماكوس ايليح مات اترحتمن .”
ومن الابيات الرائعات التي اضافها الفنان مولاي إبراهيم التحفة الفنية من حيث لحنها و رموزها الشعرية قصيدة اجديك بحيث أضاف اليها البيتين الأخيرين : ئزوك اوكليف افال السلت ليغ ا تيلين الى اخر القصيدة
و اما رائعة نتغي فالبيتين الهامين التاليين : اينمشاوارن ا غويدا ن والينين اوال / اور كيس العيب اغن توكام س ماكولو يالان . و ان نسبهما البعض الى مولاي إبراهيم او نسبهما لنفسه فهما في الحقيقة من نظم الشاعر الكبير احمد أوراق و لنا عودة بالتفصيل لهذا الاشكال.
ومن القصائد الكاملة التي قال الأستاذ كيكش في كتابه تازنزارت ان مولاي اتحف بها المجموعة : قصيدة تيدوكلا فالعشرين البيت الأول نسبها لنفسه فهي في الحقيقة من ابداع شاعر اورير موطنا السيد احمد أوراق و ليست لمولاي إبراهيم و هذا بشهادة صاحبها لي شخصيا . و اما قصيدة تمارا المبدوءة ب “ار يالا اكيكيل لاحاس افوس احنان” فهي من نتاج إحساس مولاي ابراهيم بضغوطات الحياة اليومية و اكراهاتها فضمها الى ريبيرتواره الشخصي.
كل هذا على سبيل الحصر و هناك ابيات أخرى متفرقة في اعاني المجموعة اما من نظمه او من تصرفه في ابيات شعراء اخرين للضرورة الفنية.
لذا قلا يخفى على احد الدور الكبير الذي اداه هذا الهرم في اخراج كلمات ازنزارن كي توصف كانها كالرصاص تدوم سنوات دون ان تصاب بالصدأ او تسبب مللا عند الاستماع لها و هذا غير خفي عن فنانا الموهوب بالسلقة و المتشبع بالثقافة الأمازيغية الحرة النابعة من صدق القول و صفاء الإحساس.
2- محمد الحنفي
يرتبط محمد الحنفي بمجموعة ازنزارن بعلاقة الراس بالجسد فشِعر الحنفي بدون الحان و أداء ازنزارن لا يصل الى المتلقي بالقدر الذي وصلت اليه قصائده المغناة من طرف المجموعة و الدليل على ذلك ان الحنفي امد مجموعات غنائية بأشعار ممتازة لم يتعرف عليها الجمهور و لم تحقق أي نجاح يذكر ولو تلك القصائد التي زود بها مجموعة الشامخ .
فالحنفي عضو أساسي في مجموعة ازنزارن على الرغم انه يختلق بعض الأسباب للتملص من ذلك الانتماء خاصة في حالة غياب المجموعة عن الساحة الفنية. فالألحان المميزة لمجموعة ازنزارن و كذا الأداء من طرف افراد المجموعة كل من موقعه من عزف و إيقاع و ضبط و كذا التجاوب الكبير بين البانجو و السنتير يعطي لكلمات الحنفي اشعاعا و إضافة جديدة تبرزها للوجود و تبلغ غايتها بالوصول الى اذن المتلقي . فالمجموعة حققت إنجازات كبيرة بدون قصائد الحنفي و هذا لا ينتقص من القيمة الكبيرة للأستاذ الحنفي و انما يزيل عنه صفة الكاتب الوحيد و الشاعر الفريد لمجموعة ازنزارن .
ففي احد البرامج التلفزية صرح السي محمد انه يصنع الرصاص ( القرطاس) فيما يشكل عبد الهادي البندقية التي تصيب الهدف و توصل الرصاص الى هدفه ، و هذا نسبيا صحيح و ان دل على شيء فإنما يدل على التكامل و الانسجام الذي يحصل بين الشاعر و المجموعة و هذا ليس غريبا بحكم الانتماء الى المجموعة منذ تأسيسها و الاشراف على مختلف المحطات وخصوصا ان له صفة كاتب كلمات اشهر اغانيها خاصة في بداية المجموعة .
فالحديث عن شعر الأستاذ محمد الحنفي لدى مجموعة ازنزارن هو تقريبا الحديث عن بداية ازنزارن في الحقبة المعروفة بحقبة شعر الغزل العفيف فاغلب القصائد التي بدأت بها ازنزارن من نظمه ولم يكن يذكر اسمه كمؤلف لها في البداية لسببين اثنين :
أ- ان محمد الحنفي عضو فاعل في المجموعة و نظمه يندرج ضمن عمل المجموعة فمن غير المعقول ان يذكر صاحب الكلمات دون ان يذكر صاحب الالحان او منسق الكلمات و مصففها او ضبط الإيقاع و اختيار لونه – و هو المهمة الموكولة للمرحوم بوفرتل-لدى فالاغنية عند المجموعة نتاج عمل تشاركي مع امتياز في توزيع المهام كما هو الحال في توزيع الأداء
ب- السبب الثاني عام لان اغلب الأغاني على المستوى الوطني لا تعطى الأهمية لكاتب الكلمات لاسباب عدة منها : بعض كتاب الكلمات لا يريدون ان تذكر أسماؤهم ، او لانعدام أي تعويض مادي على ذلك او لرغبة المغني ان ينسب الاغنية لنفسه و هذه الأسباب كلها اتحدت عند المجموعة الى ان شجعت وزارة الثقافة ما يسمى بحقوق التأليف ليهتم كتاب الكلمات بالسعي الى تملك تلك الحقوق .
و مما يعاب على السي محمد الحنفي و هو السبب الرئيسي لكتابة هذه الاسطر الموجزة هو استحواذه على كل كلمات المجموعة و نسبها الى نفسه في كتاب جمع فيه معظم أغاني ازنزارن و هذا لا يليق بشاعر فحل نقدره و نحترمه و نقر له بالعرفان و السبق في هذا الميدان و من ابرز الأمثلة على ذلك زعمه نظم الابيات التالية : “نشرك اكما تمازيرت نشرك أولا امان / اشرك ازغار انو د ازغار نك ازوران “….
فهذه الابيات ليست للحنفي رغم تصريحه سواء في التلفزة في برنامج تيفاوين او في ديوانه انه من نظمها فحقيقة الامر انها ليست من نظمه و انما من نظم الشاعر الجندي احمد أوراق
ففضل السي محمد على ازنزارن كبير جدا فهو صاحب اشهر اغانيه مثل القصائد الثالية رغم انها تتخللها ابيات ليست له و هذا من طبيعة عمل المجموعة التي اشرنا اليه سابقا و سأسرد اهم القصائد التي نظمها الشاعر التناني للمجموعة :
رمين ميدن – امي حنا – انكمار –اكاس- الابيات الأولى من قصيدة توزالت –كار ازمز ( تتخللها بعض ابيات مولاي إبراهيم)- تيخيرا ( تتخللها ابيات من الثرات القديم من الجنوب المغربي ) – الطبلا … الخ
لا يمكن الحديث عن الحنفي بمعزل عن المجموعة لانه جزء منها و عضو فاعل ساهم و ما زال يساهم في الرفع من مستوى نمط تانزارت على المستوى المحلي و الوطني و خير ما نختم به محور محمد الحنفي هي الشهادتين اللتان نطق بهما رائدي ازنزارن امام الملأ كل من اكًوت عبد الهادي فوق خشبة الهواء الطلق و امام جمهور غفير حين أشار الى الحنفي و قدمه للجمهور لأول مرة باعتباره كاتب كلمات بقوله : هذا هو ازنزارن . مع ان عبد الهادي قال ذلك تواضعا منه و عرفانا بجميل صنيع الشاعر
و الشهادة الثانية جاءت عند عبد العزيز الشامخ حينما اعترف في حفل عائلي أقيم بقاعة الفروسية انزكان بان كل ما نحمله من أغاني و مشاعر لازنزارن عموما من نظمه و من بنات أفكاره .
و من جانبنا كذلك لا يسعنا الا ان ننوه و نصفق بكل حرارة على شاعرنا و الاب الروحي للشعر السوسي الحديث.
3 – احمد أوراق : دخلت اشعار صاحب الكلمة الصادقة و التعبير الرمزي و الواصف للواقع المعيش للفئات المهمشة من المجتمع السيد احمد أوراق من باب واسع من خلال اشعار من نظمه و تأليفه
فمجموعة ازنزارن غنت قصائد غاية في الروعة من نظم احمد أوراق تفننت في اداءها اما حرفية او بتصرف للضرورة الفنية كما سبقت الإشارة الى ذلك .
فاحمد أوراق الجندي السابق في صفوف القوات المسلحة الملكية ترعرع في دروب الجرف رغم انه اتخذ منطقة اورير حاليا مسكنا فقد كان جارا و جليسا للمرحوم بوفرتل ، تعلم ابجديات العزف الموسيقي كسائر اقرانه من جيل الستينيات و السبعينيات و تأثر بما تعرفه الساحة الفنية من ابداع و نسج كلمات موزونة .
و حين تواجد الشاعر بالصحراء المغربية في اطار خدمة التجنيد تفتقت مواهبه و اطلق العنان لأنامله و آهاته لينظم شعرا امازيغيا غاية في الدقة ليرسم لنفسه لونا خاصا به بعيد عن التقليد او المحابات . فعند قراءة شعر أوراق تحس باختلاف تام عن طريقة نظم الحنفي او غيره على الرغم من ان الحنفي – غفر الله له- نسب لنفسه اشعارا هي في الحقيقة لاحمد أوراق – أمثال قطعة كيغ كيغ و ابيات أخرى سبق ذكرها -، قلت في تلك الفترة انكب شاعرنا على الكتابة مستثمرا ظروف العمل في الصحراء المغربية ليجمع ا بذلك اكثر من 300 قصيدة دونت في دفتر خاص من فئة 200 ورقة من الحجم الصغير نزع اسلاكها و خيطت بخيط من مادة النيلو في الفترة الممتدة ما بين سنة 1977 و سنة 1981 و هي السنة التي عاد فيها شاعرنا من الصحراء عند تركه صفوف الجندية
بعد عودته من الصحراء اعتاد شاعرنا الالتقاء بالمرحوم بوفرتل الحسن -ملك الإيقاع بدون منازع في سوس- .وقد شاءت الاقداء ان يسلم له ذلك الدفتر على سبيل الإعارة و الاطلاع الا ان هذا الدفتر سيختفي من الوجود الى يومنا هذا و لم يعرف اين استقر و من وضع يده عليه على الرغم من ان هناك إشارات ان ذلك الدفتر مازال موجودا الى يومنا هذا كون ان مجموعة من القصائد لحنت مؤخرا و غنيت بعض ابياتها موجود في ذلك الدفتر رغم التصرف في ابياتها مثل اخر اغنية غناها اكوت عبد الهادي و الذي جاء في مقطع منها : “نلكمك ا الزمان غ اوريكي ماغ ايالا يان “و فيها مقطع لشاعرنا تصرف فيها مضمونه : امطا اسا سركامن اغا يالا يان .
ومن باب الانصاف و الأمانة الأدبية لابد من عزو الابيات و القصائد لاصحابها ولو تجملا و اعترافا و هذا من باب ادبيات حقوق التأليف المعنوية
اما المقاطع التي غنتها ازنزارن لاحمد أوراق فهي كالتالي :
أ)-بعض الابيات من قطعة اطان و تقدر بأربعة ابيات ابتداء من : “وا مانيك سيرا داغ ازري واطان نون /الى/ “السعد ئنو ئكيكيل اتكيت ا ماني ريغ “. و للامانة العلمية فقد نسب الأستاذ سعيد كيكش هذه الابيات الى شاعر مسجون مجهول الهوية زعم ان احمد أوراق التقى به و اخذ عنه هذه الابيات و لكن في اتصالي شخصيا بالشاعر احمد أوراق استفسرته عن هذه المسألة فنفاها نفيا باتا بل اكثر من ذلك انه استنكر بشدة قضية المسجون المجهول الهوية و اعتبرها من خرافات من املاها على الأستاذ كيكش و لا أساس لها من الصحة . فالأبيات من ابداع احمد أوراق و من بنات أفكاره .
ب ) الابيات الثمانية الأخيرة من قصيدة الطيف ( و قد توصلت شخصيا بها كتابة من طرف الشاعر احمد أوراق شخصيا مع الإقرار بانها له) حيث يقول فيها :
-الطيف متا غاد دي تامتوتولن اواوال / الطيف تنكر طازيت مان اوال نقاي
– الطيف متا غاد دو سمامي مي سلاغ / أبو تندرا غي كابارن كيين اف اويغ
-منصا غوامان اكالت منصا سودان / مناصا فاردنت مناصا ازومانت
ج ) رائعة كيغ كيغ : فالقصيدة كلها من نظم الشاعر احمد أوراق و قد تفنن عبد الهادي في عزفها و أدائها دون زيادة او تصرف في كلماتها فالقصيدة كلها للشاعر المذكور
د ) قصيدة تيدوكلا : هي لأحمد أوراق ولابد من اصلاح اللبس المذكور في كتاب كيكش الذي نسبها لمولاي إبراهيم . فالقصيدة ماخودة من الدفتر المفقود للشاعر أوراق .
ه) بيتين من رائعة نتغي للشاعر عبد الرحمن عكواد الذي سياتي معنا لاحقا : فتلك القصيدة تعتبر من بين اجود القصائد المغناة من طرف المجموعة فاتحذ فيها الكلمة القوي و اللحن المتقن و الأداء الرائع لتشكل بذلك من بين اجمل ما غنته المجموعة ، ففي وسط القطعة تم ادراج بيتين لاوراق ثم ادراجهم في كتاب كيكش لمولاي براهيم ربما سهوا و جاء في البيتين :
– أينمشاوارن ءاغودا ن ءيوالا اوال / اور كيس العيب يغن توكام س ماكولو يالان.
وهذه المسالة تاكدت منها مباشرة من تصريح صاحب البيتين كما أشار اليها كدلك الأستاذ محمد ادبها في كتابه ” عبد الرحمن عكوادشاعر الالتزام و الاغتراب الصفحة 105
و ) بعض ابيات قصيدة تاسا صبر : فالقصيدة كلها لاحمد أوراق و تم التصرف فيها و تغيير بعض كلماتها و رغم ان عبد الهادي أجاد نسجها لكن ستكون افضل لو تغنت كما كانت و قد توصلت من صاحبها بتسجيل لها كما كانت في الأصل و قد سبق لمجموعة تاروا ازنزارن برئاسة عبد الرحمن بارضا ان غنت بعض ابياتها .
على الرغم من هذا الجدل القائم حول قصائد احمد أوراق فاني أرى انه من العدل انصاف الشاعر ، فاعرفه لا يريد تعويضا و مقابل لذلك و انما اعتراف له بما نظمه وما سهر الليالي من اجله و بإقرار من الشاعر و تصريحه لي فقد ابرأ دمة الحسن بوفرتل من مطالبته بالدفتر على اعتبار انه من تسلمه منه و قد تنازل عن حقه في ذلك لكن مازال الشاعر له غصة في حلقه حين يسمع بعض الشعراء ينسبون ابياته لأنفسهم و هذا ما لا يتوافق و الاخلاق الأدبية و الأمانة العلمية .
4 ) عبد الرحمن عكواد :
عرف عبد الرحمن عكواد بداية كشاعر لمجموعة ايندوزال رفقة ابراهيم الرجال و إبراهيم ايروف و اخرون لكن شمس الشاعر ستسطع كثيرا عند تأسيس مجموعة اكيدار .
فشاعر الاغتراب و الالتزام كما سماه الأستاذ محمد ادبها يعتبر الاب الروحي لمجموعة ايكيدار ، غير ان له أيضا حظا وافرا و معروفا كبيرا اسداه لمجموعة ازنزارن خاصة عند ما تخلى محمد الحنفي عند أصدقائه في المجموعة ظانا منه انه الوحيد القادر على منحهم كلمات كالرصاص .
و قد تميز شعر عكواد عندما انفتحت المجموعة على الشعر الملتزم بايعاز من مصطفى الشاطر الذي يشكل الجناح المثقف ذاخل المجموعة بتاطير و توجيه من الاكاديمي الراحل الدكتور محمد ابزيكا .
و قد تفوق مولاي إبراهيم بمساعدة الشاطر في إيجاد توليفة بين كلمات الشاعرين الفحلين اللدان يسيران وفق نمط الشعر المتلزم ذي الدلالة الرمزية و الذي يخاطب الفئة المثقفة القادرة على فك شفرات الكلمات و تاويلات التعابير خاصة و انها من مصطلحات البادية السوسية المغربية و اتضح دلك في :
قصيدة ايزيليض : وقد كان تقسيم القصيدة رباعيا كالتالي :
الابيات الأولى الستة لمولاي إبراهيم / ءئكوت امدلو والا ايزيليض الى / ءامطا ارميت اوماكوس ايليح ماتن اترحامن
الابيات الأربعة الموالية لمحمد ابزيكة : من : اغاراس امنعا / الى/ نيغد امود اسول اور اران اد نكرن
أربعة عشر بيتا الموالية لعبد الرحمان عكواد : من : اتنت ايحصن يان / الى /أيك اوجبير الكنز أيك الطمع اغاراس
والابيات الخمس المتبقية هي هدية من تراث طاطا قدمها للمجموعة مولاس علي شوهاد في اطار التعاون بين المجموعات و لانه حضر تسجيل الشريط سنة 1984
فكما هو ملاحظ في هذه القصيدة فيصعب ان تنسب أي اغنية لازنزارن الى شاعر واحد وهو ما أشار اليه مصطفى الشاطر في اخر لقاء إذاعي مع الإعلامي محمد ولكاش .
قصيدة تيلاس: تصنف هذه الاغنية من اجمل و احسن القطع عند ازنزارن لعدة اعتبارات نذكر منها:
1- طبيعة الموضوع المتناول : فقد تطرقت القطعة الى موضوع حساس في ظل الظرفية الحقوقية التي عرفتها البلاد خلال الفترة المسماة بسنوات الرصاص
2- الآلات المستعملة : فلأول مرة في تاريخ الاغنية الامازيغية استعملت الة الكمان و قد اجاد الأستاذ عبد الهادي و اتقن لحنها و تفنن في اوثار الالة حتى وصفه البعض بالعودة الى الأصل إشارة الى عودته لموقعه ضمن جوق النهضة السوسية كعازف
3- دلالة كلامتها و قوتها : و قد ساهم الشاعر عبد الرحمن عكواد في هذه القصيدة بابيات قيمة جدا استهلها الشاعر بقوله : تيلاس اد نكا تياض اد نوفا مدينتاغ /
مامنك س ايرا ايسفيو ءايمي واراو نم
نوفاد لاحيا ايموت نوفا دلامان ايزوك
ما منك س ءيرا اتنجمت ءي تاوديوين ءا وول
و تجدر الإشارة ان مقدمة قصيدة تيلاس : نكا بو تفالا نوضا نيلي غ اوغراس و الابيات الأربع التي تليها هي من نظم شاعر من اقا المسمى قيد حياته ” مبارك بن زايدة ” قدمها للمجموعة مولاي علي شوهاد
قصيدة نتغي : تعتبر قصيدة نتغي اهم قصيدة قدمها عبد الرحمن عكواد لمجموعة ازنزارن فهي خالصة له باستتناء البيتين 9 و 10 الذين اشرنا اليهما سابقا و هما من نظم احمد أوراق ,
و قد أضاف عبد الهادي للقصيدة إضافة نوعية بفضل اللحن الذي خصصه لها لتكتمل القطعة كلمات و لحن و أداء .
قصيدة ءانمال : قصيدة فريدة تفرد في نظمها عكواد مع تصرف طفيف في بثر بعض الابيات و تقديم بعضها على بعض و قد تكلف الثنائي الشاطر و مولاي إبراهيم في تصفيف هذه القصيدة .
ان المكانة التي وصلتها مجموعة ازنزارن عند محبيها سواء الناطقين باللسان السوسي او غيرهم نابع من التنوع الحاصل في مشارب و منابع الكلمات ، إضافة الى قوة الالحان و الأداء الايقاعي و الصوتي .
فنعمات المرحوم لحسن بوفرتل و ضبط حسن بايري لا يعادله أي ضبط اد تحس الإيقاع موزون لا يخالجه أي خلل إضافة الى التجاوب الكبير بين عبد الهادي و الشاطر على التي البانجو الهجهوج تعطي للقطعة نسقا قل نظيرة دون تن نغفل الفنان الثقة عبد الرحمن بارضا المتعدد التخصصات و المهام من عازف ماهر الى ضابط للايقاع عوض رحيل بوفرتل .اما الصوت الفخم لمولاي إبراهيم ووقفته في الخشبة ليعطي انطباعا لدى المتلقي بالرغبة في المزيد من العطاء خاصة و لكل فرد مكانته و دوره فمجموعة ازنزارن كما أشار المرحوم بوفرتل مثل أصابع اليد الواحدة فان غاب منها فرد اختل توازن اليد .