بقلم : أسماء شرفان
منذ ظهور الجائحة إنتشر بين ساكنة العالم إحساس بالرعب و الخوف لم يعرف له مثيل في العصر الحديث ، هرول الجميع لحماية روحه و حياته و أحبائه، انكمشت الحياة و تقزمت اقتصادات العالم و تدهورت علاقاته و تناثرت أوجاعه و تصدعاته ، مات الكثيرون و مع كل حالة وفاة جديدة تسجل يزداد الهلع و الخوف و يستوطن الأنا و سلامته كل الجوارح ، لا نستطيع ان نلوم احد او ان نحاسب احد على خوفه او تمسكه بالسلامة و الاستمرار ، غير ان للفيروس فوائد شتى طالت العالم و أخرى أختص بها إقليمنا ،نستطرد في ذكر بعضها على العالم من قبيل نقاء الجو و استرجاع البيئة لتوازن جزئي يمنحها سنوات إضافية في حفظ الحياة و اليابسة..
و نزهو بذكر فوائد الجائحة بإقليمنا فلا يسعني إلا أن أثني على المواطنين الذين أبانوا عن حس تضامني قل نظيره و وعي تداعى صيته و أثيره و لا أعمم لوجود بعض الحالات الشاذة من المتصيدين و المستهترين و إن تعددت اعذارهم و اختلفت أسبابهم فمنها الوجيه و منها السفيه .
فرأينا الشوارع خاوية على عروشها و الخير يسمو بألقه و عنفوانه بين الجيران و بين المانح و الممنوح وراء الجدران ، بحيث بزغ نوع جديد من المحسنين الذين يتورعون عن الظهور خلف صدقاتهم او التقاط الصور لتوثيق أعطياتهم ، بشر كل همهم إيصال اللقمة لفم الجوعان و إغاثة اللهفان ، نعم مدينتي أكرمت الصدقة فأعطتها حقها ، فالمانح جاد بما فاض و الممنوح استقبل الاعطية بحب و اعتداد ،فلا لوم عليه إن استعطف المقتدرين في زمن غزا فيه الجوع بيوت الاغنياء و الفقراء معا ، لا لوم إن تعفف المرء في زمن العمل و القدرة و اعتدل في طلب اللقمة في زمن العدوى.
نماذج كثيرة من بشائر الخير الكامن في أهل سوس و ساكنته ، توافقوا على دفع البلاء بالجود و الصبر و الصيام و القضاء بما وجد..
نمودج اخر و نقطة ضوء جديدة بطلها المسؤول الاول عن إقليم إنزكان ايت ملول بتنسيق مع الجماعات و بعض الهيئات الجمعوية ،و هي المبادرة الجميلة المتمثلة في إيواء المتشردين، و إطعامهم ، و حمايتهم من الجائحة و سمومها ، بحيث تم تخصيص مرافق عمومية في إيواءهم و مد يد الدعم و المؤازرة لبعض الجمعيات في تيسير معيشهم و حاجياتهم ، و كل هذا ليس بغريب عن الشعب المغربي الابي عامة و ساكنة سوس خاصة ، إلا أن ما يثلج الصدر و يعتبر نقطة تفوق و تميز بالنسبة لإقليمنا في حس عالي بمعنى العائلة و جمع الاحبة و صلة الرحم هو عمل سلطته الاقليمية ممثلة في السيد العامل إسماعيل ابو الحقوق على تقصي أصول هؤلاء المتشردين و البحث عن أهاليهم و الرغبة في الحد من ماسيهم ، مبادرة عاملية إنسانية للم شملهم بعائلاتهم و ذويهم و ضمان وصولهم اليهم بسلام ، و العمل على تجديد أواصر التعلق بينهم و بين من غابوا عنهم لسنين إن لم نقل عقود ، جميل هو ان يلتقي الاحبة بعد فراق طويل لا يعرف بعضهم مكان الاخر و الاجمل أن يكون اللقاء متوجا بأسمى تعابير الانسانية الحقة في طلاق بين مع المقاربات السابقة للتعامل مع هؤلاء الذين حكم عليهم الزمن او المرض غصبا بترك احبتهم و افتراش الارصفة و التحاف “الكارطون” في احسن الاحوال ، المقاربة الجديدة التي تعتمد إجتثات الظاهرة من شوارع الاقليم و إزالة كل السلبيات التي تؤثر على نفسية الساكنة من بشاعة الاحساس المبكي لأحوالهم عند رؤيتهم هي المبادرة النموذجية لضمان إنسانية المواطنين و المتشردين سواء ، فمن منا لم يقسو على قلبه ليقنعه بانه غير مسؤول عن احوالهم ؟ من منا لم يستسلم لحساسية المنظر و يدعوا الله بان انجاه و جنبه نفس المصير ؟ من منا لم يفكر في جلب الالحفة لهم ليقيهم صقيع الشتاء القارس ، من منا لم يبكي وجدانه لرؤيتهم يقتاتون من حاويات الازبال إن وجد بها طعام اصلا ؟ كلنا بشر و كلنا نبكي عند رؤية ما يبكي و إن لم تسل دموعنا فأقسى البكاء هو بكاء القلوب الجريحة بما ترى دون القدرة على تقديم الحلول المناسبة..
شكرا لكل من تذكر هؤلاء في فترة الجائحة رغم كثرة المشاغل و المسؤوليات . شكرا لكل من تذكر أن الله يرحم من يرحم اخوه و إن غدا عليه الزمن بأقبح المصائر. شكرا يا من تسهرون لتطرقوا ابواب المحتاجين ليلا بقفف تحمل ينابيع من الخير و الحب حتى لو كانت محتوياتها غير كافية ، شكرا شبابنا و شاباتنا ،شكرا جمعياتنا التي تمسكت بما أستخرجت الجمعيات من اجله عند ولادة قانونها من تأزر و تضامن و تكافل و تساعد و تفاعل مع اوجاع الوطن و المواطنين ، شكرا لكل من تناسى همه ليطبب هموم الاخرين ، شكرا للمواطنين الذين تعايشوا مع الفاقة و التمسوا للوطن الاعذار في زمن الحاجة ،شكرا لمن لغوا كل المظاهر السلبية من قاموسهم و شجعوا كل إيجابيات تعامل الوطن مع ما يهدد بقاءنا جميعا .شكرا لكل الواعين المتفهمين ، شكرا للمسؤلين كافة فسهرهم ووقوفهم على سلامتنا و امننا يغنينا عن السؤال عن أي تخلف عن ركب المجدين من بعض الحادقين على نذرتهم الذين لم يستوعبوا بعد معنى “” وطن “” . شكرا للسيد عامل الإقليم الذي حاز العلامة الكاملة في تعاطيه مع الجائحة و مستلزماتها، و شكرا لكل من استغنى عن كل ما تمنى حتى لا تضيع حياتنا او تفنى .
شكرا للمتفائلين العازفين على وثر الثقة في الله بمستقبل جميل و غد جميل ووطن أجمل.