عبدالله بوشطارت
من يعرف ناحية تاليوين ويزور جبالها ومداشرها المنتمية إلى مناطق جبلية وهضبية مترامية الأطراف، سيتسائل بدون تفكير، لماذا كل هذا العذاب الذي تعيش فيه آلاف الساكنة بإلحاقها تعسفا إلى عمالة تارودانت، إن صح التعبير ابقائها على التبعية الإدارية إلى عمالة منهكة.
اقليم تارودانت الذي تنتمي له دائرة تاليوين، يعد أكبر وأضخم إقليم في المغرب، يضم حوالي 89 جماعة قروية وحضرية، وهذا العدد من الجماعات مخيف ومهول. إقليم يمتد من ضواحي عمالة انزگان آيت ملول إلى تخوم وارزازات على مدخل تازناخت.
عدد سكان هذا الإقليم يقترب من مليون نسمة، ويضم جزء كبير من سلسلة جبال الأطلس الكبير ومرتفعاته الشاهقة والباردة منها القمة الأكثر ارتفاعا في المغرب وهي توبقال، كما يضم أيضا جزءا مهما وعريضا من سلسلة جبال الأطلس الصغير، اضافة إلى سهل سوس الذي ينبع من عمق الإقليم ناحية رأس الوادي أعلى منطقة أولوز ويشمل السهل اكثر اراضي الإقليم التي يقطعها الوادي في اتجاه المصب، وينتهي نفوذ الإقليم على مشارف ولاد داحو، ويستفيد إقليم تارودانت تقريبا من كل الأراضي الفلاحية الخيبة التي تحيط بالوادي والتي تسمى سهل سوس وتعتبر الأكثر المناطق انتاجا للحوامض والحليب وغيرها في المغرب. هذا يعني أن هذه الشساعة والامتداد الجغرافي الفسيح والمتنوع يعطي يعطي للاقليم فرصا كثيرا في إنتاج الثروة. فاقليم تارودانت هو إقليم غني بامتياز قد لا يوجد مثله في المغرب نتيجة الثروات الهائلة التي يزخر بها من كل نوع، أهمها المعادن، فتارودانت ربما تعتبر أول إقليم يوجد به عدد مهم من المناجم المعدنية من مختلف ضروب المعدن وجودها. كما يجود ارض هذا الإقليم بكل أنواع الفواكه والخضر والمنتوجات المحلية. لا يوجد نوعا من هذه المنتوجات والمزروعات لم تخرج من تارودانت، من اللوز والجوز والزعفران والزيتون وارگان والعسل والتوم والحناء والزعتر…. أما الحليب ومشتقاته فتارودانت تحتوي على أكبر تعاونية لإنتاج الحليب في المغرب، ونفس الشيء في انتاج اللحوم ورؤوس الماشية والخضر والفواكه من برتقال وموز والبطيخ… وكل شيئ، ماذا نسيت؟ نعم تارودانت تنتج فاكهة خاصة باليهود ربما لا توجد في منطقة أخرى في العالم.
لكن، ورغم كل هذا، ورغم كل هذا، فإن هذا الإقليم يعاني فيه اغلب السكان من فقر مدقع، نعم هو إقليم غني لكنه الأكثر فقرا في المغرب.
وهذه مفارقة عجيبة توجد في بعض المناطق ولكن في تارودانت تطرح بحدة. فاغلب الساكنة خاصة التي تعيش في الجبال وسفوحها وهي الأغلبية فإنها تعاني من نقص حاد في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن صعوبة كبيرة في الولوج إليها.
وما يزيد من حدة هذا الفقر ويوسع من قاعدته، ويجعل الساكنة تهرب من المرتفعات من العالية في اتجاه السافلة بحثا عن مورد رزق في السهل، هو التقسيم الترابي المجحف الذي يساهم بشكل كبير انتشار الهشاشة وبطئ في التنمية وانتشار الفوارق المجالية التي تصنع الفوارق الاجتماعية وعدم المساواة في الولوج إلى الخدمات العمومية واللاتكافؤ الفرص وغيرها من العاهات الاجتماعية والاقتصادية..
وتعتبر دائرة تاليوين واغرم ومنطقة إيداومحمود الأكثر ظلما في هذا التقسيم. فناحية تاليوين التي تضم تقريبا 16 جماعة قروية كلها تنتمي إلى الجبال وتبعد على عاصمة الإقليم تارودانت بحوالي 250 كلمتر حسب بعض الجماعات، تعاني من العذاب الأليم بسبب هذا التقسيم الإداري الذي يعد سببا من أسباب قساوة العيش لدى سكان هذه الآقاص المرتفعة الباردوالمهمشة والمنعزلة…
فلا يوجد مبرر عدم انشاء عمالة في تاليوين، لأنه لا معنى أن يسافر مواطن بجماعة تاويالت او ازرار او أسكاون او أسايس او تزكزاوين إلى تارودانت لقضاء غرض إداري بسيط او لاجتماع في عمالة او بمديرية لوزارة معينة. ونفس الشيء بالنسبة للمرضى الذين ينتقلون عبر طرقات مهترئة وغير معبدة للوصول إلى مستشفى إقليمي بتارودانت…
فطبيعة النظام المغربي مركزي وممركز فجميع القطاعات والخدمات مرتبطة بوجود العمالة والاقليم أي بوزارة الداخلية، ولا أعتقد أن هذه الوزارة يخفى عليها ما تعيشه تارودانت وساكنة تاليوين بالخصوص. هي نفسها أي الإدارة الترابية منهكة ومتعبة جراء هذا العدد الكبير من الجماعات والقيادات التي تنتمي إلى الإقليم، فحتى المسؤولون الاداريون يعانون من هذه الوضعية الشادة.
فمهما كانت كفاءة العامل على الإقليم فلن يقدر على ضبط الإيقاع التنموي والتنسيق الترابي بين 89 جماعة ترابية…
ونفس الشيء نقيسه على بقية المدراء الإقليميين للوزارات خاصة التعليم والصحة والتجهيز والفلاحة…
فيحتاج إلى وقت طويل للتعرف على خريطة الجماعات واسمائها ومجالها ثم وقتا أطول لمعرفة خصاصها ومشاكلها ووقتا أطول لاقتراح الحلول… يعني هدر الزمن التنموي….
اشتغلت على قضايا واكراهات التنمية المحلية في أغلب مناطق إقليم تارودانت، لمدة تقارب 12 سنة، واعرف بعض التفاصيل الدقيقة لاكراهات التنمية عن قرب. وأكاد أجزم أن الحل يبدأ بتقسيم تارودانت إلى ثلاثة أقاليم، وعلى رأسها عمالة تاليوين. هذه المنطقة التي اعرفها جيدا، انجزت في معظم الجماعات المنتمية إلى دائرة تاليوين تحقيقات تلفزية حول التهميش والفقر والصحة والتعليم والعزلة، زرت جماعة تاريالت وجماعة أسكاون وأگادير ملول وجماعة أزرار وأسايس وتاسوسفي وتيزگزاوين وأساكي وسيدي حساين وغيرها، بالإضافة إلى دائرة إغرم والجماعات التابعة لها، والتي تعتبر تاليوين امتدادا لها إلى سيروا والخزامة التابعتان لوارزازات فهي الأخرى يمكن أن تلتحق بتاليوين لأنها تنتمي إلى نفس المنظومة المجالية والثقافية لجبال الاطلس الصغير…
فمن الظلم الترابي والإداري ان تبقى كل هذه الجماعات تابعة اداريا لعمالة تارودانت، لأن الساكنة تحملت قساوة الطبيعة فلم تعد قادرة على تحمل قساوة الإدارة.
إن التأخير في خلق عمالة جديدة عاصمة تاليوين، هو تأخير للتنمية ومكلف جدا للدولة والساكنة على حد سواء.
وبعيدا عن هذا وذاك، ألا يستحق ترياق الذهب الأحمر الزعفران عمالة خاصة به.