مشاهد بريس
سلط ثلة من الخبراء، يومه الخميس بالرباط، الضوء على القوة الاقتراحية التي تكتنزها السيرة النبوية، مؤكدين أن قدرتها الإسهامية كفيلة بالمساعدة على حلحلة الإشكالات المعاصرة.
وأوضحوا، في ندوة نظمت في إطار أشغال المؤتمر الدولي حول القيم الحضارية في السيرة النبوية، الذي عقدته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن الإرث النبوي ينطوي على الحكمة الضرورية لتعزيز التكافل الإنساني وبناء عالم أكثر رحمة ومساواة.
وأبرز المشاركون في هذا المحفل العلمي، الذي نُظم بشراكة مع رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية، تحت شعار “نحو رؤية مستقبلية للسيرة النبوية”، الأهمية التي يكتسيها صوت الحكمة المستبطن في الأديان، مشيرين إلى أن الأصل في خطاب السيرة النبوية هو الدعوة للتسامح والتعارف والنفع العام، وأنه خطاب فطري منفتح على الإنسانية جمعاء.
وبعدما عرجوا على الخطابات التي تحيد بالسيرة عن نهجها السليم من قبيل التفريق بين السيرة والقرآن، دعوا إلى اغتنام تعاليم السيرة النبوية من أجل إصلاح التعليم، وتدعيم مهارات بناء السلام، والقضاء على الفوارق الاجتماعية، وتعزيز المساواة، وحلحلة أزمات اللجوء والترحيل، وإرساء الحكامة، والوقاية من الأوبئة، وغيرها من النواقص التي تعتري العالم.
وفي هذا السياق، أكد الخبراء الدوليون أن الأزمة الصحية العالمية تستلزم “الشجاعة التي يتسم بها الخطاب النبوي، في عالم تكدر صفوه أصوات النشاز”، وأن السيرة النبوية تزخر بتوصيات هامة بشأن الوقاية من الأوبئة.
من جهة أخرى، سجل الخبراء حاجة المسلمين الملحة إلى إدراك جوانب التفاهم والحوار مع غير المسلمين، واستجلاء آلياته وأهدافه المشروعة وأدلته وأحكامه وضوابطه.
وتناولوا، في هذا الصدد، مسألة الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، مبرزين أنها تتمحور حول “تغذية الغلو الغربي للغلو الشرقي”، حيث يتبنى المسيؤون من الغربيين، في الغالب، تصورات نمطية حول الإسلام من قبيل العنف واضطهاد المرأة، مما يستثير ردودا انفعالية من لدن شرائح من المسلمين.
كما سجلوا أن السواد الأعظم من الغربيين لم يدركوا بعد مدى “تعلق المسلمين بنبيهم وتعظيمهم له، مما يحول دون تفهمهم لردة الفعل تجاه الحوادث الكاريكاتورية المسيئة”، داعين العلماء المختصين والمنظمات الدولية المهتمة بإنشاء مرصد خاص بالسيرة النبوية لتتبع كل ما يخص السيرة النبوية والخروج من “ضيق القرءات الانفعالية إلى سعة الدراسة المتأصلة”.
علاوة على ذلك، توقف المهتمون بالسيرة ومتعلقاتها بازدياد اقتداء المسلمين بالرسول عليه السلام في حياتهم، لافتين إلى تمظهرات مثل الاحتفاء بعيد المولد النبوي، والمنحى التصاعدي للتوجه التصوفي والروحي، وغيرها من التجليات.
وعرض بعض المتدخلين مساهمات بحثية تتعلق بتقريب السيرة النبوية للقارئ الغربي، وعلاقة الرسول بأمته عبر التاريخ، ودور السيرة النبوية في معالجة الإشكالات الراهنة، من قبيل الأوبئة، وقضايا التطرف ومعاداة الإسلام، والحريات الفردية، وغير ذلك.
وعرفت هذه الندوة، التي تناولت موضوعي “السيرة النبوية الإشكالات المعاصر” و”شهادات عالمية حية في سيد الأنام ورسالته الخاتمة”، مشاركة العديد من الباحثين والدارسين، من بينهم الكاتب والأكاديمي اللبناني رضوان السيد، والأستاذة بجامعة جورج تاون الأمريكية كاترين مارشال، والأستاذ والكاتب سعيد المغناوي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، و الأستاذة ليلى أبو زيد من جامعة محمد الخامس، والأمينة العامة لمؤسسة أديان من أجل السلام عزة كرم، والأستاذ بجامعة إيكس أون بروفنس الفرنسية دنيس داوود غريل.
ويهدف هذا المؤتمر، الذي ينعقد أيضا عبر تقنية الاتصال المرئي، إلى إعداد استراتيجية تواصلية للتعاطي مع الأبعاد الوظيفية للسيرة النبوية، وحصر الإشكالات الذاتية والموضوعية في التعامل معها، وتجميع وترتيب الجهود العلمية في مجال البحث في السيرة النبوية، وبناء رؤية متجددة بآفاق مستقبلية لها.
كما يتوخى تمكين المنظمات والهيئات العاملة في مجالات التربية والثقافة والعلوم والاتصال من آليات وأدوات عمل منهجية في بناء مخططات عمل وخبرات في مجال التعريف بالسيرة النبوية.
وحسب الإيسيسكو، فإن هذا المؤتمر يأتي ردا علميا وعمليا على محاولات الإساءة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي إطار رؤية المنظمة واستراتيجية عملها الجديدة، التي تجعل منها منارة إشعاع حضاري دولي.
وستُختتم أشغال المؤتمر بإصدار إعلان وتوصيات تنفيذية سيتم تعميمها بعدد من اللغات على جميع المنظمات الدولية والمؤسسات والهيئات المختصة في الثقافة والحوار الحضاري.