لحسن أوبحمان
تعددت الرؤيا و اختلفت نتائج الأبحاث باختلاف الروايات و الاساطير حول زمان و مكان ظهور ظاهرة بوجلود ، كما تعددت كذلك تسميات الحدث و اشكاله ، فمنها تسمية بيلماون ، بو البطاين ، بشير ،امعشار و ان اختلفت معه في الشكل و العدد.
ولم يكن ذلك الخلاف الوحيد في ظاهرة بوجلود لكن اهم خلاف يثار في الآونة الأخيرة من قبل المختصين من باحثين في التراث و الانتروبولوجين و المؤرخين وكذا عامة الناس هو مدى وجود الظاهرة في المغرب قبل دخول الإسلام للمغرب الأقصى ام ان الظاهرة استحدثت بعد اعتناق اهل المغرب للإسلام و تشكل مفهوم الدولة.
فلكل فريق رؤيته و ادلته و -سأسردها بعجالة و اقتضاب لان المجال لا يسمح بمزيد من التفصيل – هي كالتالي :
فالفريق الأول يزعم ان الظاهرة متأصلة في المغرب و انها كانت قبل دخول الفتح الإسلامي للمغرب و اعتمدوا على ذلك ان سكان المغرب هم “البربر ” سكنوا الكهوف و لبسوا الجلود ، و قد زكوا اطروحتهم بتواجد انسان يلبس الجلود في احتفال يقام شهر فبراير بالجزر الكناريا يسمى وقد وجد بعض المؤرخين تفسيرا لهذه الظاهرة بترحيل الامازيغ لجزر الكناريا ابان ” الغزو ” العربي الإسلامي لبلاد المغرب مما حدا بالامازيغ الى استصحاب عاداتهم و تقاليدهم.
اما الفريق الثاني فاعتبر ان احتفالات بوجلود ظهرت بعد الاستعمار الفرنسي للمغرب و تغير أحوال الناس و ضعف العقيدة الايمانية لديهم خصوصا بعد انتشار الطقوس المتعلقة بالشعوذة و محاربة كل اشكال المس او ما يسمى بالتبرك ببوجلود بمجرد ان ضرب بخفة على ظهر احدهم بدعوى التبرك . و قد عضض هذا الفريق ان ارتباط احتفالات بوجلود بعيد الأضحى المبارك دليل على ان الاحتفال احتفال ديني و من الطقوس التي واكبت او حرفت احتفالات عيد الأضحى المبارك و بهذا يزكي الطرف الثاني ان بوجلود ظهر بظهور الإسلام بالمغرب .
هذا نقاش طويل عريض لن ينتهي الابحدوث معجزة لان لكلا الطرفين مناصروه و مؤيدوه و مدافعون عنه لتحقق المصلحة في ذلك مادية كانت او معنوية او اديولوجية و ربما حتى سياسية .
فمناقشة الظاهرة كلا الرأيين معيبان و يعتريهما تناقضات و نقائص تبينها بعجالة :
الراي الأول : ان الشعوب الامازيغية التي سكنت المغرب شعوب تتغير حسب الأحوال السياسية فقد احتكت باعتد القوميات العالمية و اكثرها تقدما و شراسة وهم الرومان و الفنيقيون و الوندان و كل شعوب البحر الأبيض المتوسط التي عرفت الحضارة بكل تجلياتها و تمضهراتها ، و طبيعي ان تلك الشعوب عرفت القماش و غزلت الحرير و تفننت في اشكال الملابس ، و كذا الشعوب الامازيغية تدبدبت بين الديانات المسيحية و اليهودية و الوثنية بين هذه و تلك حسب قوة الحاكم و كذا حسب احترامه لشخصية الامازيغ خاصة ما يتعلق بحقوق المرأة و الموارد الطبيعية بالذات. فلا يعقل ان يتأثر الامازيغ بالحضارات المتوسطية في ديانتها و لغاتها و معاملاتها و لا تأخذ عنها طريقة اللباس من حرير و ثوب لتبقى متوحشة في لباس الجلود صيفا و شتاء ، ثانيا نعلم ان الامازيغ اعتنقوا المسيحية قبل ان يعتنقوا الإسلام و ان اليهود سكنوا بلاد المغرب مند امد بعيد بحيث تشير بعض الدراسات ان اول من سكن بلاد المغرب هم اليهود ، و نحن نعم ان دول كثيرة تدين بالديانة المسيحية او اليهودية ولا احد منها تبنى عادات بوجلود او زعم انها من تقاليد الأجداد.
الرأي الثاني : للذين يزعمون ان ظهور بوجلود مرتبط بعيد الأضحى أقول هو ادعاء باطل و لا أساس له من الصحة لكون عيد الأضحى شعيرة دينية و عيد إسلامي محض احياء لسنة نبينا إبراهيم عليه الصلاة و السلام -كما يعلم الجميع – و بما ان الإسلام كرم ابن ادم و رفع من قدره و حرم على الذكر التشبه بالأنثى و احط من قدر الانثى المتشبهة بالرجل فيستحيل ان يقر المسلمون الأوائل على عادة مثل هذه وجدوا عليها سكان المغرب –ان وجدوها أصلا_
الترجيح:
أرى ان بوجلود ظهر بالمغرب من خلال احتكاك المغاربة مع المستعمر الاسباني خاصة ، و لما انتشرت الاحتفالات المعمرين بالاراضي المغربية ، تأثر بها المغاربة المسلمون كنوع من التقليد ووجود مناسبة دينية كعيد الأضحى زكى هذا الانسجام ، كما شكل ضعف الوازع الديني خاصة في مسائل الاعتقاد بالأرواح و المس ، و مسائل الزواج و النصيب و الارزاق جعل عادة بوجلود تتسلل الى التقاليد المغربية الإسلامية .
فاقتران بوجلود بعيد الاصحى سببه ان الفترة الاستعمارية شهد المغرب فترة جفاف و قلة مؤونة من مواشي و مزروعات ، مما جعل المغاربة لا يستهلكون اللحوم بكثرة و انما طبقهم الرئيسي و الوحبة المعتمد عليها تتخد الشعير و الذرة و القمح كعمدة ، فكان الكسكس و العصيدة و الحريرة و البسيس او ما يصطاد من حجل او طيور برية إضافة الى غزال او ارانب برية ، و عيد الأضحى مناسبة تكثر فيها الاضاحي- ليس بالشكل الذي نراه حاليا – و هي مناسبة للاحتفال و الدليل على ذلك ما يصاحبها من دق للطبول و حفلات تنكرية مستوحاة من الغرب ، فان صح القياس يمكن ان نقيس ظاهرة بوجلود بالاحتفالات باعياد راس السنة الميلادية .
بوجلود من الترفيه الى الاسترزاق
ان العامل المشترك بين جميع ظواهر بوجلود هو خلق جو من البهجة و السرور و الترويح عن النفس بالنسبة لمختلف شرائح المجتمع .
فقد تعددت الروايات حول اهداف بوجلود لكن اغلبها يدور حول ظاهرة الزواج و التداوي من بعض الأرواح الشريرة .
فهناك اسطورة مشتركة بين الاسبان و المغاربة تقول ان من أراد الزواج من الشبان عليه ان يتنكر و يقوم بخطبة معشوقته متنركرا بزي بوجلود بان يحدها سرا دون ان يكتشف امره نظرا لكون المجتمع محافظ لا يسمح بالاختلاط الا في المناسبات و الافراح و يشكل عيد الأضحى احداها . و مازال العديد من القرى المغربية الى الان تستغل مناسبة عيد الأضحى لاقامة الاعراس و الحفلات و المناسبات وان كانت الظرفية الحالية مرتبطة بعودة العمال و التجار من مقرات عملهم الى قراهم الاصلية الا ان للامر اصل من قبل .
اما في المدن فانتشرت عادة ان كل فتاة او فتى مقبل على الزواج و خاصة من المتقدمين في العمر ان تتبركوا ببركة بوجلود بحركة يعرفها اهل سوس و تسمى (اسمكرو).فما زالت هذا الاعتقاد سائدا عند الاسر العتيقة التي عايشت الفترات الزاهية لبوجلود قبل ان يتخد شكل الاسترزاق.
كل هذه الاحتفالات و التفاصيل تقام بشكل ترفيهي تزاوج بين الجدية أحيانا و الهزل تارة أخرى كما يستغل الاحتفالات لتربية الأطفال على الطاعة و تقدير الكبير بتخويفهم ببوجلود عند عصيان الأوامر .
لكن في الآونة الأخيرة اتخذ بوجلود منحا اخر مادي محض استرزاقي انخرطت فيه الجمعيات و الأشخاص الراغبون في دعم جهة او جهات .
في ظرفية مثل هذه الظرفية و العالم يشهد تحولات كبرى اقتصادية اجتماعية سياسية و الجهة تنتظرها تحيات و كبرى تنموية تستوجب استثمار كل الطاقات المادية و المعنوية من اجل النهوض بالمدينة يطرح تساؤل ما الاظافة النوعية التي سيضيفها بوجلود للمدينة؟
ان الجهة بحاجة الى اشعاع ثقافي و تنموي و اقتصادي يحقق الاجماع حوله و تتظافر الجهود تخدم المواطن السوسي أولا و المغربي عموما ليعطي اشعاعا وطنيا يتم فيه ابراز القيم المغربية المشتركة الدالة على الشخصية المغربية عموما .
الموقع الاستراجي للجهة المتموقع وسط المملكة المغبية الشريفة ينتظر منها ان تكون حلقة وصل بين شمال المغرب و جنوبه و لا يمكن لها ان تتبوء المكانة اللائقة الا بتقديم برامج ثقافية و محتويات هادفة لها اثرها الإيجابي على الطفولة و الشباب باعتبارهما رجال الغد و قاطرة للتنمية تتماشى و القيم التوجيهات التربوية المتعارف عليها و المصادقة دون التركيز على اديولوجية محددة تخدم برنامجها على حساب غالبية السكان,
تساؤلات كثيرة خلفتها احتواء ظاهرة بوجلود لا يسع المجال لاثارتها و انما النقاش المجتمعي و الاقتصادي و الفكري كفيل بالاجابة عنها في القادم من الأيام .
تحرير : لحسن اوبحمان