تحرير : الحسن اوبحمان
تحالف المرض والتهميش
يعتبر الفنان الرايس الحسين مفليح الشتوكي الأدوزي من بين الفنانين القلائل من جيل رواد فن تيرويسا الذين مازالوا على قيد الحياة رغم ما يتكبدونه من معاناة ساهم فيها الظروف المعيشية الصعبة و مقاومة المرض اضافة الى حرقة التهميش و نكران الجميل .
ولد الفنان الرايس الحسين مفلح في ثلاثينيات القرن الماضي ما بين 1934و1936 بدوار ادوز اوسعود التابع حاليا لجماعة واد الصفا اقليم اشتوكة ايت بها ، من اسرة ميسورة الحال تشتغل بالفلاحة نظرا للطبيعة الفلاحية التي تعرفها منطقة ايت بها اوملال .
فرغم امتلاك العائلة لأراضي خصبة تستغل في الفلاحة الى ان الرايس استهوته الموسيقى ، فبدأ يحضر حلقات احواش و “أهنقار” و”اجماك” وهي الأنواع الموسيقية التي عرفت بها المنطقة حتى اتقن ممارستها بل تفوق على اقرانه بتعلمه للإيقاع الصحراوي الذي عرف من خلاله و تخصص فيه و عرف به .
و بالموازاة مع ضبط الايقاع تعلم الفنان العزف على آلة الرباب السوسية ، و هي الآلة التي
التي تعطي لصاحبها صفة ” الرايس” فأتقنها و تفنن فيها مما جعله يرافق اقرانه في سهرات اسايس و حفلات الاعراس و المناسبات العائلية لدى الاعيان و العامة .
وقد تتلمد الرايس الحسين مفلح على يد الرايس الحسين” جانتي” احد اهم القامات الفنية في السوس الاقصى فاخذ عنه اسلوب عزفه و حتى اتجاهه في التأليف و النظم.
و قد رافق الرايس مفلح اهم رواد فن تيرويسا و اشهرهم ،كالرايس سعيد اشتوك ” شاعر الحب بامتياز ” كما جاور الرايس محمد الدمسيري و ما تميزت به هذه المدرسة اسلوبا و اداء . كما عد الرايس الحامدي اهم اصدقاء الفنان و رفقاء دربه الفني .
ومع حلول المستعمر موغا ” بمنطقة سوس هب الفنان مثل اقرانه لاجتياز مباراة ” موغا” للالتحاق بالديار الفرنسية للعمل في مناجم الفحم و معامل الصلب و الحديد و كما هو معلوم فمن شروط النجاح في مباراة “موغا” ان تتوفر على بنية قوية تسمح لك بتحمل العمل المنتظر .
وبما ان الرايس تربى في بيئة فلاحية فقد حظي بالقبول من طرف موغا ليلتحق بعدها بالديار الفرنسية كعامل في مختلف المجالات.
و كمايقال فالفنان كالطائر الحر لا يقبل العيش في القفص فقد ضاقت ديار المهجر على الفنان ليعود بداية السبعينات لأرض الوطن ليحترف فن تيرويسا و يتحفنا بروائع و خالدات ما زالت تطرب سماعنا.
الشهد بدون عسل
بهذه العبارة و صف بها الرايس مفلح نفسه باعتبار انه لم يستفد من الفن اي شيء حتى ما يسد به حاجياته من الدواء و ذلك بالنظر الى الكمك الهائل من القصائد التي نظمها لفنانين اخرين و مجموعات غنائية مشهورة تتغنى بها و تحصد العسل و تترك له الشهد فارغا
و من اشهر من تغنى بكلمات الرايس و قصائده مجموعة اودادن العالمية في قصيدته الرائعة “افلاحن” و قصيدة “الش اميك فلايي اميك” و اخريات …..- و قد صرح الفنان ان عبد الله الفوا ما زال يزوره بين الفينة والاخرى و هذا غير غريب لان ذلك من شيم الفنان الفوا وخصاله الاحسان الى الفنانين-
لكن هذا لا يكفي بالنظر الى ضرورة حفض حقوق التأليف لأصحابها.
كما تغنى الرايس الحاج ايدر بأغاني مفلح دون ان يصرح بصاحب الكلمات و الالحان لا من قريب و لا من بعيد و هذا يحتاج الى تصحيح الوضع.
و يعتبر الفنان مفلح من بين الفنانين الذين لبوا نداء الوطن و المساهمة بشكل فعلي و فني في المشاركة في المسيرة الخضراء و كان الفنان من بين الجمع الغفير من فناني سوس الذين انطلقوا مع الافواج في اتجاه الاراضي المغربية الجنوبية لتحريرها من المستعمرين الغزاة ، و اكثر منمن ذلك فقد نظم الفنان قصيدة حول المسيرة الخضراء تغنت بها المجموعة طوال الرحلة و اثناء مقامهم في الصحراء ، الا انهم بعد عودتهم من المسيرة حدث حائل منعهم من تسجيلها و قد حفظها احد رفقاء الرايس المسمى ” كبران” يتغنى بها الا وافته المنية في السنوات الاخيرة دونان تسجل.
واذ نحن امام هرم من اهرامات فن تيرويسا بسوس بل بالمغرب عامة و من القلة القليلة الباقية على قيد الحياة و التي تعد على رؤوس اصابع اليد الواحدة او اقل ادعوا بالمهتمين والمسؤولين عن الشان الثقافي و الفني و الصحي الى ربط اواصر الصلة و الاطلالة على الفنان ردا لجميل استاه للساحة الفنية زمن ازدهار الاغنية السوسية المغربية خاصة و ان الفنان يعاني في صمت و كبرياؤه ونخوته لا تسمح له بالاستجداء او طلب المساعدة و انما من باب الاعتراف و الاحتفاء و رد الاعتبار خصوصا و ان فنانا طريح الفراش بسبب معاناته و مقاومته لمرض الضغط الدموي الذي سبب له شللا نصفيا على مستو اليد اليسرى و الاطراف السفلى فاصبح مقعدا ملازما للبيت اغمام تكالب الاصدقاء و الزمن عليه وهو القائل : “نشا اركازن شناغ اضان ” تعبيرا على انه واجه الرجال و انتصر عليهم وافترسته الكلاب حين ضعفه اشارة الى من استغل فنه وكلماته.
للفنان الحسين مفلح رصيد مهم من اعذب القصائد المغناة وجلها يتخذ اسلوب الغزل العفيف اومعالجة المشاكل الاجتماعية و الاسرية خاصة من قبيل : (افلاحن – السكويلة -المسيرة – اكليد – اوريد الملك غي وارزازات -الصحراء – اشتوكن – البراج ماست – الدين دونيت -ابركاكن ديمحسادن .- ادوز اسعود العمارت ………الخ.
و اد ندعوا كافة المهتمين بالحقل الفني بسوس الى استثمار التجربة الغنائية للفنان مادام على قيد الحياة اطال الله بقاءه ان على مستوى تدوين ارثه الفني و اجراج مخطوطاته و التعريف به و بمنتوجه الفني الذي نسبه البعض الى انفسهم .
اما من ناحية الشق المادي فإننا ندعوا المسؤولين على القطاع السمعي البصري لتسوية حقوق التأليف للفنان و ايلائه ما يستحقه من كرامة و اهتمام خاصة و الحالة الصحية و المادية تعبر عن نفسها .
تحرير :ذ ا لحسن اوبحمان