طرزا يوسف / مشاهد بريس
باتت ظاهرة التسول تغزو مدينتنا بأشكال وأساليب مختلفة ، فهي ظاهرة قديمة جداً ، حيث كانت تمارس من بعض الشرائح والفئات الاجتماعية المعدومة اقتصادياً ، أو من بعض الفئات التي تعاني أمراض معينة مزمنة ، أو من ذوي الحاجات الخاصة ، ولم ترقَ لمستوي ظاهرة عامة ، بل كانت تعبر عن حالات فردية تنتشر هنا وهناك .
لكنهــا فــــي الآونـــة الأخيــــرة بـــدأت تتحول لمهنة ، وتتخذ شكل الظـــاهرة وبدأ المتسول يبتكر العديد من الأساليــــب والطرق في عملية التسول ، كما أنها أصبــــحت تضـــم جمــــيع الفئات والشرائـــــح والعـــمرية والسنـــية ومـــن الجنـــــــسيـــن لـــوحــــظ انتشــــارهــــا بيـــن الــــنســــاء مــــــن تـــــراوح أعمارهـــن مــــا بين 14- 45 سنة في بعض المجتمعات السوسية ، وخاصة في الأحياء التي تعاني من مظاهر البطالة ، والمردود الاقتصادي الضعيف، بحيث تشهد المدينة انتشار واسع لظــــاهرة التســـول هـــذا الانتشار يُعبر عن أزمة داخلية تعصف بالنواحي الاقتصادية ، وتدل علي وجود خلل اجتماعي يؤكد قطعاً تأثر البناء الاجتماعي سلباً من التطورات التي تشهدها هذه المجتمعات ، كما تعبر عن انهيار في العديد من جوانب المنظومة الأخلاقية للمجتمع.
ظاهرة التسول ذات أبعاد عديدة ومتنوعة فهي ذات علاقة ارتباطيه بالمنظومة الشاملة لأي مجتمع سواء من جوانبها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية ،أو القانونية والأخلاقية ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال عزل هذه الظاهرة عن المنظومة الكاملة ، كونها تعبير طبيعي ، ونتاج منطقي للأزمات التي تعاني منها المؤسسة الرسمية في منظومة السيادة.
عودة على بدء .. ظاهرة التسول في السابق كانت تعبر عن حاجة اقتصادية لفئة وشريحة معينة ، وكانت مقتصرة عليهم ولا تمثل ظاهرة تخضع للدراسة والبحث والتشريح ، بل كانت تمثل حالات فردية تتناثر هنا وهناك ، في حين أنها في السنوات الأخيرة بدأت تنتشر بشكل واسع وأخذت صورة ظاهرة فعلياً ، وتحولت من حاجة إلي مهنة ، أي بدأت تتدرج وتنمو مستغلة ضعف المظلة القانونية وهذا الضعف ناتج عن الخلط بين القانون وتطبيقه وبين منظومتنا الأخلاقية التي تربينا وفقها بالنظر بعين العطف لهذه الفئة المتسولة ، كما يلعب الجانب الإنساني والديني مدخلا أُستغل لتجاوز القانون ومخالفته للتسول ، وغض النظر عن هذه الظاهرة حتى استشعر المتسولين الآمان ، بل ووجد الحماية القانونية له ، فبدأ يخرج عن المألوف ولا تتم ملاحقته قانونيا ، مما شجع الآخرين للتوجه لامتهان التسول كمهنة رسمية ،خاصة إنها تعتبر من أسرع وأكثر الوسائل إثراءً وتمنح صاحبها مالاً بلا عمل ،وبلا مجهود، وبلا رأسمال …الخ.
فخلاصة الحديث أن من أهم الأسباب والدوافع التي تؤدي لانتشار التسول هي:
الأوضاع القانونية التي تنظم الحياة الاجتماعية في المجتمع ، ويتفرع منها أو يندرج تحتها العشرات من الأسباب الفرعية كالأسباب السياسية ، والاقتصادية ، والأخلاقية …الخ
ولكنها جميعا تعتبر مخاض لانعدام العدالة ، وغياب سيادة القانون والنظام القانوني العام في تنظيمه للحياة الاجتماعية.
وهذه الآفة ستنمو في مجتمعاتنا وتتخذ أشكال وألوان مختلفة حتى نعيد للقانون اعتباره واحترامه في ملاحقة هذه المظاهر والتصدي لها بحزم سياسياً ، واقتصادياً، واجتماعياً.