مشاهد بريس
على بعد عام من الاستحقاقات الفيدرالية البلجيكية، يبدو أن البلاد تعيش على وقع حملة انتخابية مبكرة، مع عقد عدد من الأحزاب لمؤتمراتها وازدياد حدة النقاش السياسي والخرجات الإعلامية لعدد من رؤساء الأحزاب والفاعلين السياسيين، وذلك قصد توجيه الرأي العام وطرح أفكار تتعلق جلها بنمط التسيير وبنية الدولة، واستقطاب أكبر عدد من المؤيدين.
هكذا، كانت أربعة أحزاب فلامانية بلجيكية هي حزب التحالف الفلاماني الجديد “إن- في أ” (قوميون)، والحزب الليبرالي الديمقراطي الفلاماني “أوبن- في إل دي” (ليبراليون)، وحزب الخضر (إيكولوجيون)، والمسيحيون-الديمقراطيون الفلامانيون، مع موعد خلال نهاية الأسبوع الماضي مع أنصارهم، في ما شَبَهَهُ بعض المراقبين بـ “استعراض ما قبل انتخابي” في أفق الاستحقاقات المقبلة (التشريعية، الإقليمية والأوروبية) المزمع إجراؤها في يونيو 2024.
ولعل أبرز هذه المؤتمرات كان هو المؤتمر الذي عقده حزب التحالف الفلاماني الجديد على مدى ثلاثة أيام في معقله بمدينة أنفيرس وشارك فيه 2500 من مناضليه. حيث كان هذا المؤتمر الذي تعود نسخته السابقة إلى العام 2014 مناسبة أخرى وجه فيها رئيس الحزب بارت دي ويفر انتقاداته اللاذعة للحكومة البلجيكية ونمط تدبيرها للشؤون العامة في بلجيكا.
دي ويفر، وهو عمدة مدينة أنفيرس، رسم خلال كلمته في المؤتمر، يوم الأحد الماضي، صورة جد قاتمة للوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، واعتبر أن التحول نحو النظام “الكونفدرالي” أمر لا محيد عنه، حتى تتمكن الجهة الفلامانية وباقي الجهات من التطور، مشيرا إلى أن حزب “إن- في أ” يمتلك “البرنامج” الذي سيمكن من بلوغ “جهة فلامانية ذات سيادة وقادرة على استغلال إمكاناتها بشكل كامل”.
وبحسب دي ويفر، فإن التقارير الدولية حول الوضع في البلاد أضحت قاتمة بشكل متزايد، فـ “صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمفوضية الأوروبية، والبنك الوطني، ومكتب التخطيط الفيدرالي… جميع هذه المؤسسات تدق ناقوس الخطر بشأن بلجيكا”.
واعتبر أن حزبه “الوسطي”، الذي صادق خلال المؤتمر على برنامجه للسنوات المقبلة، هو التشكيل السياسي الوحيد القادر على إنقاذ الجهة الفلامانية، حتى لو لم تكن استطلاعات الرأي ترقى إلى مستوى طموحاته.
وقد اعتمد مؤتمر حزب “إن- في أ”، برئاسة النائب ساندر لونيس، على برنامجه للسنوات القادمة، والذي يتضمن مائة “فكرة” موزعة على عشرة مواضيع تجسد الطريقة التي يريد بها هذا التشكيل القومي أن تكون عليها الجهة الفلامانية في “بلجيكا كونفدرالية”.
وقال دي ويفر خلال المؤتمر، “بينما يشعر الكثير من الناس بالغضب والاستياء، يتعين على الحزب تحمل مسؤوليته وتوجيه هذا الاستياء وتحويله إلى قوة بناءة. التصويت العاطفي لن ينقذ الجهة، وسيكون ذلك فقط في صالح الحزب الاشتراكي وتشكيل تحالف +فيفالدي+ ثاني”.
وفي الوقت الذي دعا فيه رئيس حزب “إن- في أ” إلى تجنب فترة لا نهاية لها من الركود السياسي وتسيير الشؤون الجارية من خلال حكومة مؤقتة، سيتحتم -بالنسبة له- مستقبلا تشكيل حكومة مصغرة مع الحزب الاشتراكي قصد إدارة شؤون البلاد.
من جانبه، رفض الحزب الاشتراكي الفرونكفوني بقيادة بول مانييت هذه الدعوة، مؤكدا أن “دخول الحكومة المقبلة دون معرفة ما سنفعله فيها، هو أمر لا معنى له”.
وبهذا الخصوص، اعتبر رئيس الوزراء الحالي ورئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الفلاماني “أوبن- في إل دي”، ألكسندر دو كرو، بأن هذا الطرح يعد ضربا من ضروب “الجنون”.
دو كرو حذر في كلمة له خلال مؤتمر حزبه الذي انعقد بمدينة غينت الفلامانية، من خطر الشلل السياسي بعد انتخابات العام المقبل، مشيرا إلى أن أي محاولة للتحالف المحتمل بين حزب التحالف الفلاماني الجديد والحزب الاشتراكي، من شأنها تجميد البلاد من جديد.
وقال رئيس الوزراء البلجيكي، الذي يقود تحالف “فيفالدي”: “وراء هذه الدعوة الجديدة للقيام بإصلاح جذري للدولة، هناك استراتيجية وهدف: شل بلدنا مرة أخرى لمدة 500 يوم وأكثر. إنها استراتيجية التعفن والجمود”.
وفي المقابل، فإن حزب “إن- في أ” كرر على لسان دي ويفر أن حزب “فلامس بيلانغ” اليميني المتطرف غير مرحب به في الائتلاف الحكومي المقبل، بالنظر لتوجهاته المتشددة التي تنبذ المنظومة الفيدرالية جملة وتفصيلا، في الوقت الذي يرى فيه دي ويفر أن “إقرار أي إصلاح مستقبلي ينبغي أن يتم على المستوى الفيدرالي”.
على صعيد آخر، كان رئيس حزب “إن- في أ” قد خرج في تصريح مثير، اعترف من خلاله بأنه “لا يحب حقا” نظيره رئيس الحزب الليبرالي الفرونكفوني “إم إر”، جورج لوي بوشي، الذي يبدو أنه يميل إلى تأييد تحالف جديد مع القوميين الفلامانيين بعد الانتخابات العامة من ربيع 2024، بدلا من تجديد تحالف “فيفالدي” الحالي.
هكذا، يبدو أن معالم المشهد السياسي البلجيكي تحيل على حملة انتخابية مبكرة يحاول من خلالها كل تشكيل سياسي إحراز أكبر عدد من النقاط على خصومه حتى يتسنى له الظفر بمساحة واسعة ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة، لكن شبح الركود وحالة الجمود السياسي على الطريقة البلجيكية أضحى يلوح في الأفق مع إصرار العديد من الأحزاب على المضي قدما في نهجها السياسي المتشدد.