انجاز : اوبحمان لحسن
تعتبر كرة القدم الرياضة الأولى من حيث الشعبية على الصعيد العالمي و الوطني . و نظرا لأهميتها على جميع الأصعدة فقد بوأتها الدولة المغربية مكانة مرموقة بين سائر الأنواع الرياضية و رصدت لها من الإمكانيات ما يفوق تسيير بعض الوزارات كالثقافة و الصناعة التقليدية أنموذجا .
وللرقي بكرة القدم الوطني تتبع الوزارة الوصية سياسة تتغير بتغير الرؤى و الاتجاهات حسب الظروف و النتائج التي تحققها .فتارة يتم التركيز على الفئات الصغرى و الاعتماد على تشبيب الفرق و تارة أخرى يتم الاعتماد على الجاهزية و إغفال منطق التكوين و التدرج و في احاييين أخرى يتم الاعتماد على الأجانب تكوينا و تأطيرا و يستوي في ذلك اللاعبون و المؤطرون .
والملاحظ في السنوات الأخيرة أن المغرب اعتمد سياسة مبدأها منطق الاستثمار سواء في رؤوس الأموال أو الاستثمار في الموارد البشرية ، و الدعوة الى إنشاء شركات بدل أندية.
فالسياسة الكروية للبلاد تكون واضحة المعالم لها أهداف مشروعة و قابلة للقياس و تقويم مدى نجا عتها و بالتالي الحكم بصلاحها و السعي للاستمرار فيها أو الدعوة إلى تغييرها إن تم تحقيق نتائج تخالف التطلعات و هو ما وقع في محطات كثيرة خاصة عند الاخفاقات على المستوى الدولي.
لكن الأسوأ في الممارسات الرياضية أن نستبدل الكرة المطاطية المألوفة بالكرة السياسية و بتعبير آخر أن نمارس السياسية بغطاء رياضي و تنقلب الروح الرياضية التي هي جوهر اللعبة إلى حلبة صراع خفي غامضة المعالم و مبهمة الأهداف.
لقد ظهرت كرة السياسة في مباريات كثيرة في تاريخ الرياضة كانت أهمها قبيل الحرب العالمية الأولى لما استغل الزعيم الألماني في تلك الحقبة “ادولف هتلر” المربع الأخضر لتصفية صراعاته مع الدول الأخرى باحتوائه الكرة قصد إبراز تفوق الجنس الآري على مختلف أجناس المعمور.
و توالت الديكتاتوريات التي عرفها القرن العشرين في استغلال الكرة في السياسة الخارجية لإظهار مدى الاهتمام بالشباب كرمز من رموز القوة .( و الأمثلة كثيرة لا يسع المجال للتفصيل)
و لقد ساهم الإعلام الغير الحر و الغير النزيه في إذكاء نزعة الكرة السياسية في تارة الفتن بين الأنصار و الشعوب الشيء الذي دفع الجامعة الدولية لكرة القدم إلى تجميد عضوية الجامعات المحلية التي تقحم المشاكل السياسية بين البلدان و إقحامها في الرياضة بإخراجها عن الطبيعة الاحتفالية للعبة والميل عن التنافس الشريف. و يعتبر كاس العالم بالولايات المتحدة الأمريكية خير مثال في فشل الإعلام المدفوع لإثارة الفتنة بين الرياضيين لما جمعت القرعة المنتخبين الإيراني مع البلد المنظم الولايات المتحدة الأمريكية . فالبلدان كانا في قمة الاختلاف السياسي إلا أن طريقة دخول اللاعبين وهم يدا في يد بدد كل التكهنات و أطفأ فتيل الصحافة التي توقعت حربا كروية.
هذا الحدث تكرر قبل أيام عندما التقى المنتخبان الشقيقان المغربي و الجزائري . فالبلدان في خلاف من جانب و احد ( صراع مفتعل) وعرفت الفترة الأخيرة خطابات معادية للسياسة الخارجية للمغرب من جانب الجزائر …. الخ
و على الرغم أن البعض من الذين يحبون الاصطياد في المياه العكرة يتوقعون مبارزة عوض مباراة إلا أن تعليمات المدربين و أخلاق اللاعبين أنفسهم غيرت كل التصورات على الرغم من بروز الحماس الزائد الذي يدخل ضمن متطلبات اللعبة الدافع له هو السعي إلى المرور لدور الأربع.
صحيح أن الكرة لا تخلوا من ممارسة السياسية بل إن الكرة كلها سياسة لكن لا يجب ان تصل إلى زرع الفتنة و إبراز الأحقاد و العداوة بين الشعوب.فالكرة مجرد لعبة تنتهي بانتهاء صفارة الحكم بمنتصر و منهزم لكن المشاكل السياسية تبقى عالقة تحتاج إلى حلول واقعية تنتهي بانتهاء المباراة السياسية.
فالشعب المغربي و الجزائري شعبان تربطهما علاقات الدم و المصاهرة و التاريخ و الجغرافيا و حتى التربية الوطنية فلا يمكن ان تجعل كرة منفوخة بالهواء نيران الكراهية و الصراع.
فالمباراة الأخيرة أعطت لممارسي السياسة في البلدين درسا بليغا فحواه ضبط النفس و التحلي بالأخلاق العالية و التسامح و التعاون من اجل المصلحة المشتركة للجميع و السعي إلى إنهاء النزاع في اقرب وقت بما يحقق الكرامة للجميع.
فالكرة مجرد لعبة لها أهداف و نيات شريفة فيجب أن تبقى كذلك.