شعيب خميس/مشاهد بريس
في خطابٍ مؤخرًا، وصف رئيس مجلس النواب المغربي، راشيد الطالبي العلمي، الانسحاب من التصويت على مشروع قانون الإضراب بأنه “خيانة للسيادة الوطنية”، مُستحضرًا خطابًا وطنيًّا يرفع شعارات الحفاظ على المصلحة العامة. لكن هذا الخطاب يصطدم بوقائع من تاريخ الرجل نفسه، الذي وصف في السابق المحتجين ضد غلاء الأسعار بـ”المرضى”، داعيًا إياهم إلى “الشفاء” بسخرية لاذعة فمن هو الرجل الذي يُلقي الدروس في الوطنية بينما تُلاحقه شبهات الفساد؟
الوجه الآخر لـ”الوطنية”: فضائح مالية وإدارية
على مدى العقد الماضي، تواترت تقارير إعلامية وحقائق قضائية تُلقي بظلالها على مسيرة العلمي، الذي شغل مناصب حكومية وبرلمانية رفيعة. نستعرض أبرز هذه القضايا:
تهرب ضريبي بقيمة 1.3 مليار سنتيم
صدر حكم قضائي ضد شركة “نورفي كوير” المملوكة للعلمي بتهمة التهرب الضريبي خلال الفترة من 1991 إلى 2017، حيث امتنعت عن دفع مستحقات الضرائب رغم تشغيلها أكثر من 100 عامل دون إعلانهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقد تحركت الدعوى بناءً على شكوى الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة
اختفاء 7 مليارات سنتيم في وزارة الشباب والرياضة
خلال توليه حقيبة الوزارة (2017–2019)، كشفت مفتشية المالية عن اختفاء مبلغ ضخم من ميزانية مشروع إنشاء 1679 ملعبًا قرويًّا، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 60 مليار سنتيم. وأوصت بإعادة التحقيق في إنفاق 3 مليارات أخرى مرتبطة بمخيمات التخييم صفقة 300 مليار أثناء رئاسته لمجلس النواب (2014–2016)، فوت صفقة تقييم سياسات تزويد العالم القروي بالماء لمكتب دراسات مملوك لصديقه إدريس خزاني، والي تطوان السابق، دون اتباع مسطرة المنافسة
عين الوزير السابق للسياحة لحسن حداد رئيسًا للجنة البرلمانية المغربية-الأوروبية عام 2021، رغم قرار سابق بعدم إسناد أي مهام له بسبب “غضبة ملكية” أدت إلى إقالته من منصبه
استفادت شركة يملك أغلبية أسهمها من صفقة بقيمة 400 مليون سنتيم لتنظيم الألعاب الإفريقية أثناء توليه وزارة الشباب، مما أثار شبهة استغلال المنصب
خصص 250 مليون سنتيم لإنشاء بوابة إلكترونية للمخيمات الصيفية، بينما قدرت مفتشية بنشعبون أن تكلفتها لا تتجاوز 30 مليونًا. تمت الصفقة عبر الفيدرالية الوطنية للمخيمات دون إعلان منافسة
بينما يرفع العلمي شعار “السيادة الوطنية” اليوم، يُذكر أنه في 2014، عند فوزه برئاسة مجلس النواب، أثار فضيحة توزيع أجهزة آيباد وهواتف ذكية على البرلمانيين بصفقة بلغت 140 مليون سنتيم، في خطوة رأى فيها مراقبون تبذيرًا للمال العام
ولم تسلم فترة رئاسته لجهة طنجة-تطوان (2009–2015) من الشبهات، حيث وجهت له اتهامات بتخصيص 1.3 مليار سنتيم من ميزانية الجمعية الاجتماعية لموظفي الجهة (40 موظفًا فقط) لتملك السكن، برواتب تجاوزت 20 ألف درهم شهريًّا
لا تنفصل هذه القضايا عن الصراعات السياسية الدائرة. ففي 2024، تجدد النزاع بين حزب “التجمع الوطني للأحرار” (RNI) الذي ينتمي إليه العلمي، وحزب “الأصالة والمعاصرة” (PAM)، حول رئاسة مجلس النواب، حيث سعى الأخير إلى إزاحة العلمي لصالح مرشحه صلاح الدين أبو الغالي . ورغم ذلك، أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة (264 صوتًا) بدعم تحالف الأغلبية الحكومية .
راشيد الطالبي العلمي، الذي يحاضر اليوم في “السيادة” ويدعو إلى احترام القانون الدولي ، يبدو أن تاريخه الإداري والسياسي يروي قصة أخرى؛ قصة صفقات مريبة وانزياحات عن المصلحة العامة. فهل يعكس بقاؤه في الصدارة غياب المحاسبة أم قوة التحالفات؟ السؤال يظل مفتوحًا في مشهد سياسي تتداخل فيه الخطابات النبيلة مع الممارسات المُظلِمة.